ثالثا : هناك فرق بين القضاء والقدر وبين العقيدة الجبرية كما سوف يأتي بإذن الله ، فإذا كان المرء مجبرا على عمل معيّن فلا معنى لأن يدفع النبي أتباعه نحو سوح القتال لينالوا الشهادة ، لأنّ المجبر على فعل من قبله تعالى لا يحتاج إلى أحد حتى يدفعه إلى تصرّف أو عمل معيّن بل ينقاد إليه برغبة وشوق واندفاع.
عود على ذي بدء :
إنّ مسألة القضاء والقدر المعبّر عنها بلغتنا المعاصرة ب «تقرير المصير» هي من المعارف القرآنية العالية بحيث إذا لم يتعمّق بها الباحث فيها لأودت به إلى إحدى هوّتين سحيقتين هما : الجبر أو التفويض.
الأسباب التي أدّت إلى تبني المستشرقين للجبر :
يمكن إرجاع الأسباب المؤدية إلى تبني هؤلاء لعقيدة الجبر إلى أمور هي :
الأول : الحقد الدفين الذي أبطنه المستشرقون على عقيدة الإسلام نظاما ومنهجا مما حدا بهم الأمر إلى ضرب معالم توحيده وإبعاده الناس عنه كدين يدعو إلى سلامة الفطرة وتركيز الشخصية الإنسانية.
الثاني : تجاهلهم ـ لا جهلهم ـ لمعتقدات غير الأشاعرة لا سيما الإمامية حفظهم المولى ، لأسباب باتت معروفة منها استعبادهم للشعوب تحت عنوان أن تسلّطهم رحمة من الله أهبطها على الأمم المستضعفة.
الثالث : عدم تعمّقهم بمفاهيم القرآن الكريم ـ هذا لو أحسنّا الظن بهم ـ الذي يحتوي على كثير من المحكمات والمتشابهات والعمومات والمقيدات إلى غير ذلك من أحكام ومفاهيم يتطلب فهمها بذل المزيد من الجهد والمشقة وسعة الاطّلاع على النصوص الواردة عن النبي والعترة الطاهرة.
فلم نسمع أن مستشرقا غاص في أعماق القرآن وتتلمذ على أيدي أمينة تؤهّله لفهم الكتاب كما يفهم دساتير كنيسته أو جهاز أمن دولته التي تخرّج منها لكي يدسّ السم في معتقدات المسلمين.
الرابع : انبهار المستشرقين بسيطرة الأشاعرة على بلاد العرب والمسلمين منذ مئات السنين ، وضعف الشيعة الإمامية بالمقابل مما حدا بالمستشرق الذي لا يؤمن إلّا بالكثرة والقوة والمحسوس أن يغضّ الطرف عن معتقدات الإمامية.
الخامس : تقوية عقائد غير الإمامية لا سيما عقائد الأشاعرة (دون المعتزلة مثلا) في مقابل عقائد الإمامية المقتبسة من الكتاب والعترة بما يسهّل النيل منهم