يلاحظ عليه :
أولا : إنّ تفسيرهم لعموم القدرة ومنها أفعال البشر لا يمنع من تأثير سائر العلل الطولية المنتهية إلى العلة الأولى وهي الله تبارك وتعالى لذا لم يستنكر القرآن المجيد تأثير بقية العلل الطبيعية في آثارها ، وجميعها يستمد الإيجاد والقوة منه بمنّه ولطفه وعنايته وهذا لا يمنع كونه خالقا ، يستمدّ الغير منه الوجود والقدرة ، ولا غنى لغيره عنه تعالى بحال من الأحوال مطلقا قال تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر / ١٦).
فالله سبحانه نسب الأفعال الطبيعية إلى فواعلها وفي نفس الوقت ينسبها إليه سبحانه فلا تنافي بين كون الفعل الاختياري منسوبا إلى الإنسان وبين كونه مستندا إليه تعالى بعد كون أصل وجوده وحياته وقدرته حدوثا وبقاء بإفاضة منه تعالى.
والشواهد على هذا الجمع كثيرة في القرآن الكريم منها :
قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال / ١٨).
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات / ٩٧).
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (غافر / ٦٣).
(أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف / ٥٥).
فظاهر الآيات هذه إضافة كل شيء إليه تعالى ومنها أفعال الإنسان الاختيارية ، فهي وإن كان ظاهرها العموم أو الإطلاق لكنهما مخصصان بالآيات الكثيرة المتضمنة إضافة الأفعال الاختيارية إلى العباد أنفسهم منها قوله تعالى :
(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر / ٣٩).
(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٩) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (١٠) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١١)) (الشمس / ٩ ـ ١١).
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٨) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٩)) (الزلزلة / ٨ ـ ٩) إلى أمثال هذه الآيات والتي تبلغ مائة آية تقريبا.
ثانيا : إنّ إنكارهم للسببية والمسببيّة يبطل قانون العليّة العام الذي عليه مدار القضاء العقلي في أغلب الأشياء وببطلانه ينسدّ باب إثبات الصانع القدير الذي يعتمد على حكم العقل القاضي بارتباط كل معلول بعلته ، فبهذا يكونون قد عزلوا