الله سبحانه استنكر على المشركين ووبّخهم لأنهم كانوا ينحتون أصناما ويعبدونها وهي من صنع أيديهم ، كذا في الآية المستشهد بها فالمعنى : أنه سبحانه خلقكم أيها المشركون وخلق الأصنام التي صنعتموها بأيديكم ثم اتخذتموها أربابا من دون الله تعالى.
وما استدلّ به الأشاعرة مخدوش :
أولا : إن قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) مرتبط بقوله تعالى : (ما تَنْحِتُونَ) فحيث إن «ما» في تنحتون موصولة فكذلك «ما» في الآية المذكورة أيضا موصولة ، «فما» في الآيتين منتظمتان ولا يصار إلى تفكيك النظم إلّا بدليل قاطع وهو مفقود في البين (١).
ثانيا : الآية في صدد بيان تقريع صدر من النبي إبراهيم عليهالسلام لعبدة الأوثان لما صنعوه ، فلو كان ذلك من فعله تعالى لما توجّه عليهم العيب والعتاب والتقريع ، بل كان لهم أن يقولوا : لم توبّخنا على عبادتنا للأصنام والله الفاعل لذلك فتكون الحجة لهم لا عليهم.
ثالثا : إنّ «الخلق» في أصل اللغة هو التقدير للشيء وترتيبه ، فعلى هذا لا يمتنع أن نقول : إنّ الله خالق أفعالنا بمعنى أنه قدّرها للثواب والعقاب فلا تعلق للقوم على حال (٢).
٢ ـ الآية الثانية :
قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (فاطر / ٤).
استدلّ أبو الحسن الأشعري (حفيد أبي موسى الأشعري) ، بهذه الآية على حصر خلق الأفعال به تعالى ، ونفيه عن غيره حتى على نحو الطولية أي أن الأشعري حصر الخلق والإيجاد على وجه الإطلاق به سبحانه ونفاه عن غيره بتاتا بدعوى إنكار تأثير الظواهر الطبيعية بعضها ببعض ورفض مبدأ السببية والمسببيّة كما مرّ معنا سابقا.
ولكن ما ادّعاه الأشعري مردود :
أولا : بما ورد من الآيات الأخرى التي تنسب الخلق إلى غيره بإذنه تعالى
__________________
(١) تفسير الكشّاف : ج ٤ ص ٤٩.
(٢) تفسير التبيان للشيخ الطوسي : ج ٨ ص ٥١٤.