الدليل الثاني :
لو لم يكن العبد مستقلا في فعله لما صحّ مدحه وذمّه.
يجاب عنه :
لا يشترط في المدح والذمّ كونهما صادرين استقلالا بل يصحان أيضا فيما لو كان الفعل صادرا بقدرة العبد المرتبطة بقدرة الله المفاضة منه تعالى عليه والمستمدة منه ، والفعل الصادر من العبد بتلك القدرة المستمدّة صدورها منه باختياره وإرادته ، فيستحق بذلك المدح أو الذمّ ولا يشترط فيهما الاستقلال لذا لا يفرّق العرف بين الفعل المستوجب للمدح أو الذم حال صدوره من العبد مستقلا ومن دون إذن المولى أو صدوره من العبد بإذن سيّده ومولاه.
الدليل الثالث :
إنّ حاجة الممكنات وفقرها إلى العلّة هو حدوثها ، وبعده فلا تحتاج إليها أصلا لاستغناء البقاء عن الحاجة إلى المؤثر ، وعليه فالإنسان بعد خلقه وإيجاده لا يحتاج في بقائه إلى إفاضة الوجود من خالقه ، فبطبيعة الحال يكون استناد صدور الأفعال إليه استنادا تاما لا إلى العلة المحدثة.
وبعبارة : ان مبادي الأفعال الاختيارية الصادرة من نفس وجود الإنسان وحياته وإدراكه للفعل وشوقه إليه كل هذه المبادي حيث ان حدوثها من قبله تعالى إلّا أن بقاءها واستمرارها في الوجود لا يحتاج إلى المؤثر في كلّ آن ، ومثّلوا لذلك بالكتاب ، حيث يحتاج إلى الكاتب في حدوثه للكتابة وبعدها تبقى الكتابة نفسها بلا حاجة إلى الكتاب ، أو مثل البنّاء يقيم الجدار ثم يستغني الجدار عن بانيه ويستمر وجوده وإن فنى صانعه ، وعليه فلا يحتاج العبد في صدور الفعل منه ـ بعد إفاضة الوجود وسائر المبادي ـ إلى شيء ، فالذات إذا كانت غنية عن الواجب في بقائه فأولى أن تكون غنية عنه في أفعالها.
يلاحظ عليه :
أولا : إنّ قياس البنّاء والكتاب على مسألة احتياج الإنسان للعلة الأولى بقاء كاحتياجه إليها حدوثا يعدّ قياسا مع الفارق وذلك لأنّ البنّاء ليس علّة موجدة للجدار أو العمارة بل أن حركات يده علل معدّة لهذا البناء لأنّ هذا البناء له مجموعة علل حقيقية شاركت في إيجاده كاشتماله على العلة المفيضة للوجود والعلل الداخلية (المادة والصورة) وشروط وجود البناء مثل صف المواد الإنشائية