إنّ ملاك احتياج المعلول إلى العلة هو الفقر والتعلق الذاتي.
وبعبارة أخرى : إنّ ضعف مرتبته الوجودية تستدعي أن لا ينفصل عنه أبدا.
رابعا : إنّ القول بالتفويض المعتزلي يستلزم الشرك أي الاعتقاد بوجود خالقين مستقلّين أحدهما العلة العليا التي أحدثت الموجودات كلها ومنها الإنسان ، والأخرى الإنسان المستقل «برأي المعتزلة» استقلالا تامّا عنه تعالى بعد خلقة الإنسان في بقائه وتأثيره.
وحيث إن جميع الكائنات محتاجة إلى العلة بقاء كما احتاجت إليها حدوثا ، فعدم احتياج الإنسان إليها بقاء يعدّ فصلا بلا دليل أو برهان.
خامسا : إنّ الله تعالى نصّب نفسه في مقام التشريع فأنزل الكتب وبعث الأولياء والرسل فأنذروا وأعذروا ، والتشريع لا يلائم التفويض ، إذ لا معنى للتكليف المولوي فيما لا يملك المولى منه شيئا ، مع أنّ التفويض لا يتم إلّا مع سلب إطلاق الملك منه تعالى عن بعض ما في ملكه وقد قال تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الحديد / ٦) (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (البقرة / ٢٨٥).
على ضوء ما قدّمنا فإنّ المعلول يرتبط بالعلة ارتباطا ذاتيا وواقعيا ويستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر فلا يعقل بقاء المعلول بعد ارتفاع العلة ، بل إن الارتباط بالعلة من ناحية الفقر والتعلق الذاتي يستدعي عدم الانفصال عن العلة بتاتا فكلّ الأشياء بشتّى أنواعها وأشكالها خاضعة للمبدإ الأول أعني العلة الأولى خضوعا ذاتيا وهذا لا ينافي أن يكون تكوينها وإيجادها بمشيئة الله وإعمال قدرته ، وأما الأفعال الاختيارية الصادرة من الإنسان فهي مشتركة مع المعاليل الطبيعية في نقطة واحدة هي الخضوع للمبدإ والسبب خضوعا ذاتيا كامنا في صميم ذاتها ووجودها ، إلّا أنها تفترق عن المعاليل الطبيعية بنقطة أخرى هي أن هذه المعاليل تصدر عن عللها على ضوء قانون التناسب دون الأفعال فإنها تصدر عن مبدئها على ضوء الاختيار واعمال القدرة.
هذا فيما يتعلّق بالدليل العقلي ، وأما قيام الدليل النقلي على بطلان نظرية التفويض فمن القرآن الكريم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر / ١٦).