التكذيب وذلك مثل ما يقال : إنّ عارفا استسقى للناس فسقوا أو استشفى لهم فشفوا أو دعا عليهم فخسف بهم وزلزلوا بوجه آخر ، ودعا لهم فصرف عنهم الوباء والسيل والطوفان أو خشع لبعضهم سبع أو لم ينفر عنهم طائر أو مثل ذلك عمّا لا تؤخذ في طريق الممتنع الصريح فتوقّف فإنّ لأمثال هذه الأشياء أسبابا في أسرار الطبيعة ...» (١).
فالأعمال الخارقة للعادة الصادرة عن بعض النفوس القوية نتيجة قوة سيرها ورباطة جأشها ، فبمقدار ما تتوغل في انسلاخها عن جلباب البدن بمقدار ما يحصل لها الاتقاد وقوة الهيمنة من هذا المنطلق نثبت للأنبياء والأولياء (لا سيما محمد والعترة عليهمالسلام : الولاية التكوينية التي هي عبارة عن تسخير المادة للولي وهيمنته عليها بحيث تكون قيد أمره.
قال صدر المتألهين (قدسسره) :
«لا عجب أن يكون لبعض النفوس قوة إلهية فيطيعها العنصر في العالم المادي كإطاعة بدنه إياها ، فكلّما ازدادت النفس تجرّدا وتشبها بالمبادئ القصوى ازدادت قوة وتأثيرا فيما دونها ، فإذا صار مجرّد التصور سببا لحدوث مثل هذه التغيرات (إطاعة البدن للنفس) في هيولى البدن ، لأجل علاقة طبيعية وتعلق جبلّي لها إليه لكان ينبغي أن يؤثر في هيولى العالم مثل هذا التأثير لأجل اهتزاز علوي للنفس ومحبة إلهية لها فتؤثر نفسه في الأشياء ...» (٢).
وكل نفس تبتغي وتنشد الكمال الحقيقي للحصول على أمر وجودي هو الاستعداد ، لا بدّ من إزالة الموانع المتأصلة أو العارضة على الذات والحاجبة لها عن إدراك الكمال اللائق بها ، وهذه الموانع إما خارجية وإما داخلية ، وإزالتهما بارتياضها بالمجاهدات الروحية لأنّ الرياضة موجّهة نحو ثلاثة أغراض :
الأول : تنحية ما دون الحق عن النفس المرتاضة ، والمراد من التنحية هو إزالة الموانع الخارجية.
الثاني : تطويع النفس الأمّارة للمطمئنة لينجذب التخيّل والتوهم عن الجانب السفلي إلى الجانب القدسي ويتبعها سائر القوى ضرورة ، والتطويع يعني إزالة
__________________
(١) الإشارات : ج ٣ ص ٤١٣.
(٢) المبدأ والمعاد : ص ٣٥٥ والإلهيات : ج ٢ ص ٧٣.