الأشكال الثاني :
إنّ هذا الدليل لا يثبت أكثر من العصمة فيما يمكن اطلاع الناس عليه ، ولا يثبتها مطلقا ، فيمكن بناء عليه ، أن يسهو النبي أو يخطئ أو غير ذلك ولا ينافي الغرض ، إذ لم يطّلع أحد على ما صدر منه ، ليقال بأنه يوجب البعد والتنفير عنهم.
والجواب :
أنه بناء على هذا لا تكون العصمة ملكة راسخة تمنع من الخطأ حتى المخفي منها عن الناس ، فهي على ما ذكر غير موافقة لطبع صاحبها الذي يستوي عنده الخطأ سواء أكان ظاهرا للناس أم خفيا عنهم بل هي بحسب هذا الإشكال عبارة عن أمور تكلّفها صاحبها وهذا خلاف الملكة المانعة من صدور الخطأ سرّا وجهرا.
وبعبارة : أن ملكة العصمة واقعية وليست ظاهرية ، فهي عامة تشمل كل الحالات ولا يمكننا أن نبعّض هذه الملكة فنسرّيها إلى الظاهر دون الباطن ، أو الجهر دون السر وهكذا فالملكة لا تبعّض بحال دون حال.
الإشكال الثالث :
إنّ هذا الدليل يواجه ثغرة وهي : إنّ النفور من النبي نتيجة عدم عصمته ، إنما نشأ من جهة اختلاط موارد الاتباع بموارد السهو وعدم الطمأنينة بما يقول ، وهذا يمكن دفعه بالالتزام بلزوم طاعة النبي في كل الموارد للمصلحة الأهم كما يقال ذلك في العمل بأخبار الآحاد ، مع ما في ذلك من المفاسد الجزئية والمصالح المفوّتة مع إضافة شيء آخر وهو إمكانية أن يصحّح الرسول بعد سهوه وذنبه بأن يقول إني سهوت أو أذنبت ويبقى ما لا يذكر فيه شيئا تحت القاعدة العامة وهي الاتباع المطلق رعاية للمصلحة الأهم خصوصا لو لاحظنا قلة وقوع السهو أو الخطأ أو غير ذلك ممن ناظر الأنبياء والمرسلين.
لكن يجاب عنه :
١ ـ إنّ الالتزام بإطاعة أوامر الأنبياء حتى فيما لو صدر منهم ذنب بسيط إدراجا له تحت قاعدة رعاية المصلحة الأهم قياسا له على العمل بأخبار الآحاد ، غير صحيح لأنّ ترجيح العمل بأخبار الآحاد ـ مع ما يترتب على الأخذ بها من مفاسد جزئية ومصالح مفوّتة ـ إنما هو لئلا يقع المكلّف في محذور مخالفة