فتمييز الإنسان عن الحيوان بالعقل لما اختاره سبحانه عن بقية مخلوقاته لحكمة إيداعه خزائن الأسرار الكامنة كمون النار في الزناد ، تزيد وتنقص وتظهر وتختفي ، فهو خير صاحب وصديق لمن استعمله فيعينه على السداد ومشاركة أهل الرشاد ، فلو استعمل بحق لشارك السبع الشداد قال أمير الموحّدين علي بن أبي طالب روحي فداه :
«خلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكاها بالعلم والعمل ، فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها وصحّ منهاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد».
فلو زكّى الآدمي نفسه فتتشبه بجواهر عللها في الصفاء واللطافة والبراءة من الكثرات حصلت على مكنون العلم وعناصر الحلم والفهم ، وجواهر العلل هي العقل لأنه علة العلل ، فإذا اعتدل مزاج تلك النفس وتوسطت بين الطبائع ، صارت ملكية حاكية لما وراءها من العقل. وحيث إنّ العقل جوهرة ثمينة لا بدّ له من صفات ودلالات بها يعرف العاقل عن غيره ، وقد وردت أخبار فوق الاستفاضة تشرح علامات العقل وصفاته ، ولسان هذه الأخبار العقلي العملي لا النظري الذي يشترك به كل الناس ، وإلّا لتساوى عقل معاوية مع عقول الحجج عليهالسلام.
من هذه الأخبار :
الخبر الأول : ما ورد عن البرقي عن أبيه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال :
«قسّم العقل على ثلاثة أجزاء ، فمن كانت فيه كمل عقله ، ومن لم تكن فيه فلا عقل له :
حسن المعرفة بالله عزوجل ، وحسن الطاعة له ، وحسن الصبر على أمره» (١).
فبجعله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الأشياء من أجزاء العقل مع أنها من آثاره محمول على المبالغة والتوسع لعلاقة عدم انفكاكها عنه ودلالتها عليه ، فيكون المراد بها العقل العملي الداعي إلى الطاعة والخير.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١ ص ١٠٦ ح ١.