لأنّ جهل الأنبياء والأوصياء بها يعدّ نقصا في رتبته وحطا من كرامته ومنزلته ، إضافة إلى أنّ العلم بالموضوعات المترتّب عليها حكم كلي دخل ضمن العلم بالأحكام الشرعية التي لا يجوز عقلا ونقلا أن يسأل عن حكم منها ولم يكن عالما به أو حاضرا لديه وإلّا لم يكن الحجة على العباد ، بل ولبطلت نبوته أو إمامته ، إذ لا يراد من النبوة أو الإمامة سوى تبيين الأحكام وتسيير العباد إلى طاعة الرحمن.
والاستدلال على عصمتهم عن الخطأ يتوقف على إثبات أمرين :
الأول : عصمتهم عن الذنوب والسهو والنسيان.
الثاني : إحاطة علمهم بالأشياء وإقدارهم عليها بإذن الله تعالى.
أما الأول : فقد أثبتناه سابقا.
وأما الثاني : فقد وقع جدال في شمولية وإحاطة علوم الأنبياء والأولياء عليهمالسلام هل هي إحاطة كلية أو جزئية وفي حدود معينة يطلعهم سبحانه على بعض عوالم غيبه؟
وعدم وقوع الأنبياء في الخطأ ، يلازم العلم بالمغيّبات ، ولا إشكال أنه سبحانه لا يظهره على أحد إلّا من ارتضى من رسول.
وعلم الأنبياء بالغيب لا يخرج عن أحد احتمالات ثلاثة :
١ ـ علمهم بالغيب حضوري شهودي يعبّر عنه ب «العلم اللدني».
٢ ـ علمهم بذلك جزئي بمقدار ما يطلعهم عليه الباري.
٣ ـ علمهم بذلك إرادي أو إنشائي بمعنى لو شاءوا لعلموا.
أما الثاني فهو القدر المتيقن من علوم الأنبياء والأوصياء الموحى إليهم من عند علّام الغيوب ، والروايات المتواترة دالّة عليه ، وهذا لا خلاف فيه أصلا ، وإنما الكلام في الزائد عن هذا المقدار أي الخلاف في الحضوري والإرادي (الأول والثالث).
والثالث باطل وذلك لأمور : أولا : لأنّ جلّ أسانيد المرويات المستدل بها على عدم فعلية علمهم (أي مقابل حضوريته) هي مجاهيل وضعاف ؛ مع معارضتها للروايات الصحيحة والمعتبرة الدالّة على فعلية علمهم وحضوريته لديهم عليهمالسلام.