الفطرة موجودة عند كل الناس حتّى عبّاد الأصنام ؛ وحيث إن وظيفة الأنبياء عليهمالسلام هداية البشرية ، والأخذ بيدها إلى السعادة في الدارين لا بدّ لهؤلاء القادة أن يكونوا أكمل البشر في كل شيء وإلّا احتاجوا إلى غيرهم من سائر أفراد جنسهم ليكمّلوهم ويهدوهم ، والمكمّل للغير يشترط فيه العصمة وإلّا احتاج أيضا إلى من يكمّله ويهديه ، وهكذا فيدور أو يتسلسل وكلاهما باطل بالضرورة مضافا إلى أنّ الأنبياء لو احتاجوا إلى غيرهم في تهذيب الذات لصاروا بذلك مفضولين وتابعين لا فاضلين ومتبوعين ، وهذا قبيح لا يصدر من الحكيم العظيم.
بعبارة أخرى : إنّ الدليل على كون النبي أفضل أهل زمانه ؛ أنّه لو لم يكن كذلك لكان :
إما مساويا ، وإما مفضولا ، وكلاهما باطل.
أما بطلان الأول : فلأجل امتناع الترجيح من غير مرجّح.
وأمّا بطلان الثاني : فلأجل قبح تقديم المفضول الناقص على الفاضل الكامل عقلا وسمعا.
أمّا عقلا : فظاهر كما قدّمنا.
وأمّا سمعا : فلأنه تعالى قال : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (يونس / ٣٦).
والواضح أن هذا الاستفهام تقريري يدلّ على قبح تقديم المفضول على الفاضل.
وأيضا قال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر / ١٠).
قال السّيوري (قدّس سره) :
يجب اتصاف النبي بجميع الكمالات والفضائل ، ويجب أن يكون في يكون في ذلك أفضل وأكمل من كل أحد من أهل زمانه ، لأنّه يقبح من الحكيم الخبير أن يقدّم المفضول المحتاج إلى التكميل على الفاضل المكمّل عقلا وسمعا.
أمّا عقلا فظاهر إذ يقبح في الشاهد (يعني العقل) أن يجعل مبتدئا في الفقه مقدّما على ابن عبّاس وغيره من الفقهاء ، ويجعل مبتدئا في المنطق مقدّما على أرسطو ، أو مبتدئا في النحو مقدّما على سيبويه والخليل ، وكذا في كل فن من الفنون.