يظهر عليه النبات ، ثم من بعد وصوله إلى مقام الكمال ودرجة الاعتدال يظهر عليه الحيوان ، وكذلك بعد ما وصل الحيوان إلى درجة الكمال يظهر عليه الإنسان ، وكل ذلك بعد ختم دورتهم وسيرهم في تمام فسحتهم ، فإنّ للجماد فسحة وجود إذا بلغ أعلاها يظهر عليه النباتية ، فمنهم من بلغ وصار جمادية النبات ، ومنهم من سقط في سائر الدرجات والمراتب ، فلذلك بعد تولّد المرتبة العليا يوجد أيضا من مواليد الدرجة السفلى ، وتحت ذلك أسرار جمّة وحكم كثيرة ثم بعد ما بلغ الإنسان أشدّه واستوى وبلغ أعلى مراتب فسحة وجوده يتعلق به نور مؤثره فيصير نبيا ولكن لا يبلغ جميعهم هذه المرتبة ، فمنهم من يقف في الأدنى ويصير أمة ، ومنهم من يصعد ويصير نبيا ، وبعد ما كمل النبي في نبوته ، وسار في جميع درجات النبوة ، ورأى من آيات ربّه الكبرى فوقف من ربه في قاب قوسين أو أدنى ، صار مظهر نور الخاتم ومحل بروزه فيتجلّى صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه ، ولكن لا يبلغ جميع الأنبياء هذه الدرجة ، ويبلغ منهم واحد أو ما شاء الله في العوالم المختلفة هذه المرتبة ، وفي الدنيا لم يبلغ هذا المقام إلّا واحد ، فبعد كمال الأنبياء في درجاتهم ومقامهم لا بدّ من ظهور الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد ظهر بعد ختام النبوة ولو لم يظهر لما انقطع ظهور الأنبياء ودعوتهم ، ولمّا رأينا انقطاعهم عرفنا أنه ختم أمرهم وظهر السر الأعظم.
النقطة الثانية : لمّا كان سبحانه وتعالى حكيما عليما ، والحكيم لا يعبث ولا يلهو وقد وقفنا على حكمته من وجوه : منها انتظام خلقه وترتّب أجزاء ملكه بعضها على بعض ، فخلقه الخلق ليس إلّا لفائدة مهمة قد بيّنها في كتابه حيث قال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وفي القدسي «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف» والمعرفة وجدان المعروف ، وذلك لا يمكن إلّا بظهوره لهم في مقامهم وحدهم كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام «تتلقاه الأذهان لا بمشاعرة وتشهد له المرائي لا بمحاضرة لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع منها».
فهو سبحانه لمّا خلقهم لمعرفته وعبادته ، تجلّى لهم ـ بالصفات لا بالذات ـ ليقتدروا على النظر إليه ومعرفته ، وذلك في كل عالم بحسبه وتجليه الدالّ عليه في جميع العوالم هو الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم أقامه مقامه في سائر عوالمه في الأداء إذ كان لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار ،