الأول : إنّ القرآن نزل بين بلغاء العرب وفصحائها ، وقد تحدّاهم إلى معارضته ، ولو بالإتيان بسورة واحدة ، وذكر أنّ الخلق لا يقدرون على ذلك ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فلو كان في القرآن ما يخالف كلام العرب فإنّ هؤلاء البلغاء العارفين بأساليب اللغة ومزاياها لأخذوه حجة عليه ، ولعابوه بذلك ، واستراحوا به عن معارضته باللسان أو السنان ، ولو وقع شيء من ذلك لاحتفظ به التاريخ ، ولتواتر نقله بين أعداء الإسلام ، كيف ولم ينقل ذلك ولا بخبر واحد.
الثاني : إنّ القرآن نزل في زمان لم يكن فيه للقواعد العربية عين ولا أثر ، وإنما أخذت هذه القواعد ـ بعد ذلك ـ من استقراء كلمات العرب البلغاء تتبع تراكيبها ، والقرآن لو لم يكن وحيا إلهيا ـ كما يزعم الخصم ـ فلا ريب في أنه كلام عربي بليغ ، فيكون أحد المصادر للقواعد العربية ، ولا يكون القرآن أقلّ مرتبة من كلام البلغاء الآخرين المعاصرين لنبي الإسلام ، ومعنى هذا أنّ القاعدة العربية المستحدثة إذا خالفت القرآن كان هذا نقضا على تلك القاعدة ، لا نقدا على ما استعمله القرآن ؛ على أنّ هذا لو تمّ فإنما يتم إذا اتفقت عليه القراءات ، لأنّ هذه القراءات المعروفة إنما هي اجتهادات من القرّاء أنفسهم ، وليست متواترة عن النبي ، فلو ورد اعتراض على إحدى القراءات كان ذلك دليلا على بطلان تلك القراءة نفسها ، دون أن يمس بعظمة القرآن وكرامته (١).
وفي عبارته الأخيرة التفاتة إلى وجود بعض الأخطاء الإنشائية الواردة في القراءات لا سيما في الرسم العثماني يلاحظها كل قارئ للقرآن منها :
١ ـ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة / ١٦٤) والصحيح : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ).
٢ ـ (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة / ١٠٩) والصحيح : «علّام الغيوب».
٣ ـ (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)
__________________
(١) البيان للخوئي : ص ٨١ ـ ٨٢.