انطباق الحكم يوما ما لوجود مصلحة فيه وعدم قبوله الانطباق يوما آخر لتبدّل المصلحة إلى مصلحة أخرى توجب حكما آخر (١).
٢ ـ إنّ الاختلاف الذي تنفيه الآية المستدلّ بها على عدم النسخ كما تصوره المحقق الخوئي (٢) ، هو ما إذا كان حقيقيا في ظرف الواقع ، أما إذا كان شكليا وفي ظاهر الأمر ـ كما بين الناسخ والمنسوخ ـ فلا تناقضه الآية إطلاقا.
لأنّ من شروط التناقض في القضيتين عند علماء المنطق وحدة الزمان والملاك والشرط ، فإذا تخلّف أحدها فلا تنافي ولا اختلاف ، كما في الناسخ ، ظرفه متأخر ، وملاكه مصلحة أخرى ، تبدّلت عن مصلحة سابقة كانت مستدعية لذلك الحكم المنسوخ.
«فالتنافي بين الناسخ والمنسوخ بدوي ظاهري ، ومع ملاحظة فترتي نزولهما والمناسبات المستدعية لنزول الأولى ثم الثانية ، فإنّ هذا التنافي والاختلاف يرتفع نهائيا» (٣).
الشبهة الثالثة :
ما هي الفائدة المتوخاة وراء ثبت آية في المصحف ، هي منسوخة الحكم ، لتبقى مجرّد ألفاظ يلوكها القرّاء عبر القرون؟
والجواب :
١ ـ لا تنحصر فائدة آية قرآنية في الحكم التشريعي فحسب ، بل التشريع هدف واحد من أهداف كثيرة ومتنوعة نزل لأجلها القرآن الكريم.
والشاهد عليه ، أنّ آيات الأحكام التشريعية لا تتجاوز السبعمائة آية بينما القرآن تربو آياته على ستة آلاف آية ، نزلت في شئون شتّى تجمعها هداية عامة ومعجزة خالدة تحدّى بها القرآن عبر العصور.
٢ ـ كثير من الآيات القرآنية نزلت لمناسبات خاصة وشئون ترتبط بأحداث وقتية لا تعمّ الأجيال والأعصار ، ولا أثر لها ـ فيما عدا الإعجاز والتحدي العام ـ سوى الدلالة على مراحل اجتازتها الدعوة الإسلامية ، والأحداث التي مرّت
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١ ص ٦٧.
(٢) تفسير البيان : ص ٢٨٧.
(٣) التمهيد : ج ٢ ص ٢٩٦.