أقول : ظهر وجه هذه الرواية ممّا تقدّم في الرواية السابقة ، وأنّها من باب الجري ، والمراد من قوله عليهالسلام : «فينا نزلت خاصّة» أنّ الجري والتشبيه ينطبق عليهم خاصّة ، وغيرهم لا يمكن له التمثيل بالآية والتخصيص بولد فاطمة عليهاالسلام ؛ لأنّ فيهم من كان يرغب في الإمامة أو كان يدّعيها ، والإمامة منحة إلهيّة يهبها لمن له الأهليّة لها ، وحين الموت يقرّ للإمام المعصوم ويعترف بإمامته ، فإنّ الحقائق تنكشف في ذلك الوقت كما ثبت في محلّه.
وروي أنّ رهطا من اليهود سبّوا عيسى عليهالسلام بأن قالوا : هو الساحر ابن الساحر والفاعل ابن الفاعلة ، فقذفوه وامه ، فلما سمع عيسى عليهالسلام ذلك دعا عليهم فقال : «اللهم أنت ربّي وأنا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي ، اللهم فالعن من سبّني وسبّ امي» ، فاستجاب الله دعاءه ومسخ الّذين سبّوه وسبّوا امه قردة وخنازير ، فلما رأى ذلك يهودا رأس القوم وأمير هم فزع لذلك وخاف دعوته عليه أيضا ، فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى عليهالسلام ، فبعث الله تعالى جبرئيل فأخبره بأنّه يرفعه الى السماء ، فقال لأصحابه : أيكم يرضى بأن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنّة ، فقال رجل منهم : أنا ، فألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب».
أقول : اختلفت الروايات في الرجل الّذي القي عليه شبه عيسى عليهالسلام ، ففي بعض الرويات أنّه الرجل الّذي ينافق عيسى عليهالسلام فقتل وهم يظنّون أنّه عيسى عليهالسلام ، وفي بعضها أنّه طيفانوس اليهودي دخل بيتا كان هو فيه فلم يجده فلما خرج ظنّوا أنّه عيسى عليهالسلام فأخذوه وقتل. وقيل غير ذلك. وهذا الاختلاف طبيعي ولم يكن مستبعدا ؛ لأنّه يحصل في المجتمعات الّتي لا يسيطر عليها النظام ولا الحكم ، فعند ما يفقد القانون هيمنته ويحصل الهرج والمرج ويريد كلّ حزب أو فئة أن يأخذ السلطة ، ترى أنّ البريء يؤخذ عوض المجرم ويشتبه العامل بغيره ، فالاشتباه غير عزيز ، ولا جدوى في تعيين المشتبه بالذات بعد ما عرفت أنّ أصل التشبيه كان من الخوارق.