لا فرق بينها وبين الشفاعة الّتي ترفع العقاب وتحطّ الذنب. نقول : إنّهما يفترقان في كثير ؛ لأنّ الشفاعة إنّما تتحقّق في مورد يكون للشخص ذنب مؤاخذ عليه ويستحقّ به العذاب ، فيأتي الشفيع ويطلب من الله تعالى الغفران له والتوبة عليه ، وهما من صفات الباري عزوجل ، قال تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٨].
وبعبارة اخرى : الشفاعة هي طلب من الله تعالى إسقاط حقّه عن العبد المذنب ، فأين هذا وعقيدة الصلب والفداء؟!
نعم ، العفو الابتدائي عن المسيء من اختياره جلّ شأنه لو كان المسيء قابلا لشموله بأداء ما عليه من الكفّارات وغيرها ، وهذا غير مرتبط بالفداء الّذي تقول به النصارى.
وفداء إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام أو فداء الحسين وموسى بن جعفر عليهمالسلام إمّا لأجل النيل الى أرفع المقامات ، أو لأجل حفظ المبدأ والعقيدة ، كالجهاد لأجل العقيدة ، أو لأجل وجود صلاحية في المفدّين بكونهم مؤمنين منقطعين الى الله تعالى مظلومين ، لا لكونهم ظالمين ومعتدين على أنفسهم وعلى غيرهم ، كما تقول النصارى.
إن قلت : طلب العفو ارتكاز كلّ خاطئ أو مسيء ولو لم يطلب خارجا ، ففداء عيسى عليهالسلام وصلبه كان لأجل ذلك.
قلت : هذا نوع من تأنيب الضمير النفسي ، فللعبد أن يخلّص نفسه بالتوبة وأداء ما عليه من الحقّ ، ولا ربط له بالفداء أصلا كما هو واضح.
ومنها : أنّ جميع أفراد الإنسان يعتقدون أنّ العفو عن المسيء المذنب شيء حسن جميل ، بل يعدّونه من مكارم الأخلاق وأحسن الفضائل ، ولا يكون منافيا للعدل أبدا ، فإذا كان من صفاته العليا المقدّسة العفو والرحمة ، فهو قادر على العفو عن المذنبين وغفران ذنوبهم من دون حاجة الى الصلب والفداء ، فيكون هذا عبثا ولغوا ، وينزّه الخالق عنهما.