بالتحدّي من أهل عصره وقبولها من أمته ؛ لأنّ المعجزات الصادرة عن الأنبياء عليهمالسلام ليست هي إلّا خوارق العادات لإثبات دعوى رسالتهم بطريقة يقتنع بها المدّعون الى الإيمان ، فيؤمنون بشريعتهم مثل إحياء الموتى وشفاء المرضى وغيرهما من معجزات المسيح عليهالسلام ، فهي ليست إلّا كإلقاء العصا فتصير حيّة تسعى ، ونجاة بني إسرائيل من العذاب ، وغرق فرعون وغيرها من معجزات موسى عليهالسلام الّتي تناسب عصر كلّ منهما.
وكذا معجزات نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله من تسبيح الحصا بين يديه ، ونصرته في الغزوات مع قلّة عدد المسلمين ، وتفوق حجّته على الخصام ، وإخباره عن المغيّبات ، وعروجه بجسمه الشريف الى السماء ، والبشارة بنبوّته في كتب السماء على لسان الأنبياء عليهمالسلام ومعجزته الباقية الخالدة (القرآن) وغيرها ممّا هو كثير.
وأمّا خلق المسيح عليهالسلام بلا أب ، فإنّه يرجع الى قدرته تعالى وعزّته ، كخلق آدم عليهالسلام بلا أب وأم ، قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) ، ولا يكون من المعجزة الّتي تصدر منه أو تظهر على يديه ؛ لأنّه لم يكن تحدّ في البين مثل نزول المائدة من السماء بدعائه ، وخلق الطير من الطين ، وإبراء الأكمه والأبرص. بل معجزة في خلقه ، وكذا رفعه الى السماء يرجع الى قدرته تعالى فيه ، فالمسيح إنسان أرضي وسماوي ، وقد أخّر هبوطه الى الأرض بعد رفعه منها حتّى يكون شاهدا على حقانيّة شريعة محمّد صلىاللهعليهوآله باقتدائه بمهدي هذه الامة الّذي هو من ولد محمّد صلىاللهعليهوآله ، ويكون لشريعته ـ بل لجميع الشرائع الّتي جاء بها الأنبياء ـ سير استكمالي يصل الى منتهى الكمال بظهور مهدي هذه الامة الّذي هو من ولد فاطمة البضعة الطاهرة منه صلىاللهعليهوآله ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا هذا بالنسبة الى حياتهم الظاهريّة في إبلاغ مهامهم.
وأمّا أرواحهم الشريفة ونفوسهم القدسية ، فهي لا شكّ في امتيازها وتفوّقها على سائر النفوس لقربها من العقل الأوّل كما عن بعض. أو أنّها فائضة من الحضرة الإلهيّة كما عن آخرين.