المباركة بمنزلة التعليل لما ورد في الآية الشريفة السابقة ، وتبيّن وجه كونهم على الضلال البعيد.
قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ).
لأنّ الظلم كان بعد وضوح الحجّة ، وقد استولى الظلم على قلوبهم وأثّر في نفوسهم ، فأفسد فطرتهم فلم تحتمل الغفران ، ومن سنّته جلّت عظمته أنّه لا يغفر لمن كان هذا حاله ، بل يستحيل أن تتعلّق المغفرة بمثل هؤلاء.
قوله تعالى : (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ).
لأنّهم ضلّوا ضلالا بعيدا وبعدوا عن جميع مسالك الخير وما يوصل الى الكمال والهداية وابتعدوا عن سبيل الله تعالى ، وليس من سنّته عزوجل أن يهديهم طريقا يوصلهم الى الهداية والجزاء الحسن إلّا طريق جهنّم الّتي اختاروها بسوء أفعالهم والفاسد من عقائدهم وأوغلوا السير فيه ، فلم يستعدّوا للمغفرة والهداية الى الحقّ والتوفيق الى الأعمال الصالحة الّتي هي طريق الجنّة.
قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً).
لسوء سرائرهم وفساد فطرتهم ، فيدخلون جهنّم فيمكثون فيها أبدا ، وإنّما أكّد الخلود بالتأييد لدفع احتمال أن يراد من الخلود المكث الطويل ، أو للإعلام بأنّه لا تشملهم المغفرة والشفاعة مطلقا.
قوله تعالى : (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً).
أي : وكان ذلك الجزاء سهلا على الله تعالى ، فإنّه القادر على كلّ شيء ولا يستعصي على قدرته ذلك ، فلا ملجأ إلّا الى الله تعالى ولا منجا من عذابه ، فالكافرون وإن كفروا وصدّوا عن سبيل الله تعالى وضلّوا وأضلّوا وأوغلوا في الكفر والظلم ، ولكنّهم عاجزون أمام قدرته ، ولا بدّ أن يرجعوا إليه ليروا جزاء أعمالهم ، ولا مفرّ منه جلّ شأنه.