عن ساحة قدسه جلّ شأنه المبطئة للثواب ، أم من الأمور النفسانيّة ، فإنّ قلوب الأنبياء في التوجّه الدائم معه سبحانه وتعالى ، بخلاف قلوب غيرهم كما تقدّم مكرّرا.
وسمّي الدجال مسيحا أيضا ؛ لأنّه مسح عنه القوى المحمودة من العلم والحلم ، والأخلاق الجميلة ، والصفات الحميدة ، والمثل السامية.
وقيل : سمّي عيسى بن مريم مسيحا لكونه ماسحا في الأرض ، أي : ذاهبا فيها ، فإنّ أغلب الأنبياء كانوا مشّائين وسائحين بسيرهم في الأرض ـ كإبراهيم وموسى ، وعيسى عليهمالسلام وغيرهم ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّه أسهل في إبلاغ ما أمروا به بإفشاء الحجّة على جميع من سكن هذه البسيطة.
وقيل : سمّي عيسى بن مريم مسيحا ؛ لأنّه عليهالسلام كان يمسح ذا العاهة فيبرأ ولذلك سمّي به ، وقيل غير ذلك.
والمسيح بالعبرانيّة : (مشيح) ، كما أنّ موسى عليهالسلام (موشي).
وفي الكافي بإسناده عن حمران قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ)؟ قال : روح الله مخلوقة خلقها في آدم وعيسى».
أقول : إضافة الروح إليه جلّت عظمته إضافة تشريفيّة ؛ لأنّها مخلوقة بإرادته عزوجل ، كقوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) أو (يا عِبادِيَ) ، وتقدّم أنّ خلق عيسى بن مريم كان بكلمة (كن) التكوينيّة الفعليّة ، ولذلك تشرّف عليهالسلام بمعجزات خاصّة كإحياء الموتى ، كما تشرّف آدم عليهالسلام بنبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله وبثّ النسل منه كما مرّ في أوّل السورة ، ويدلّ الحديث على نفي القدم الّذي هو من صفات الألوهيّة عن عيسى عليهالسلام.
وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) ، أي : لا يأنف أن يكون عبدا لله (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ).
أقول : أي : أنّ المسيح لا يمتنع أصلا عن أن يكون عبدا لله تعالى ويخضع بالتشرّف للعبوديّة ، وتقدّم معناها ومراتبها في التفسير مكرّرا.