وفي الدلائل للبيهقي عن ابن مسعود قال : «بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآله الى النجاشي ونحن ثمانون رجلا ومعنا جعفر بن أبي طالب وبعثت قريش عمارة ، وعمرو بن العاص ومعهما هدية إلى النجاشي ، فلما دخلا عليه سجدا له وبعثا إليه بالهدية ، وقالا : إنّ ناسا من قومنا رغبوا عن ديننا وقد نزلوا أرضك ، فبعث إليهم حتّى دخلوا عليه فلم يسجدوا له ، فقالوا : ما لكم لم تسجدوا للملك؟! فقال جعفر : إنّ الله بعث إلينا نبيّه فأمرنا أن لا نسجد إلّا لله ، فقال عمرو بن العاص : إنّهم يخالفونك في عيسى وامه ، قال : فما تقولون في عيسى وامه؟ قالوا : نقول كما قال الله : هو روح الله وكلمته ألقاها الى العذراء البتول الّتي لم يمسّها بشر ، فتناول النجاشي عودا فقال : يا معشر القسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقول هؤلاء ما يزن هذه ، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ، فأنا اشهد أنّه نبي ، ولوددت أنّي عنده فأحمل نعليه ، فانزلوا حيث شئتم من أرضي».
أقول : لا شكّ أنّ انقياد النجاشي للواقع كان من أثر تلك الحقيقة الكائنة في نفس المرسل صلىاللهعليهوآله ، وقد تجلّى في رسوله الّذي له الأهليّة للتجلّي بها وإظهار الحقّ وبيان الواقع ، ونسأل الله جلّت عظمته أن يتجلّى فينا بتلك الحقيقة ويرزقنا قبسا من ذلك النور لنهتدي به في عالم الدنيا والآخرة.
وفي تفسير العياشي بإسناده عن عبد الله بن سليمان قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) ، قال : البرهان محمد صلىاللهعليهوآله ، والنور علي عليهالسلام ، قال : قلت له : (صِراطاً مُسْتَقِيماً) ، قال : الصراط المستقيم علي عليهالسلام».
أقول : قد ثبت في محلّه أنّه من أقسام العلل العلّة المبقية للشيء ، والعلّة المظهرة له أو المبيتة للشيء ، ولا شكّ عند المسلمين بل وعند غيرهم من الّذين سيّروا التاريخ الصحيح وساروا فيه أنّ عليا عليهالسلام بلّغ دين محمد صلىاللهعليهوآله وبيّنه بلسانه وفعله وأخلاقه بل بوجوده ، فلا غرو أن يكون صراطه ومنهجه صراط محمد صلىاللهعليهوآله ومنهجه ، فيكون نورا تهتدي به الامة.