عبد لله تعالى وهو ابن الأرض ـ كسائر أفراد البشر ـ وليست سياحته في الأرض إلّا لإعلام هذه الجهة ، وقد أخذ المواثيق من حوارييه على عدم التقوّل عليه بعد رفعه كما حكى عزوجل عنه في عدّة مواضع من القرآن الكريم ، وفي العهد الجديد الكثير من ذلك ، وقد كان أتباعه أثناء حياته على الأرض على التوحيد ولم يعتقدوا فيه إلّا ما كان حقّا ، وكذلك كانوا بعد رفعه الى السماء برهة من الزمن حتّى دبّ الخلاف فيهم واشتدّ الصراع بينهم في تفسير حياته عليهالسلام ، فحصلت لهم آراء ومذاهب تشترك كلّها على الغلو فيه وتقديسه بما يقدّس الإله المعبود الحقّ ، ولكنّهم مع فرقهم المختلفة في شأنه عليهالسلام مجمعون على التثليث ، فيقولون : إنّ الله جوهر واحد ثلاثة بالأقانيم الوجود ، والحياة ، والعلم ، فيريدون من الأب الوجود ، ومن الروح الحياة ، ومن الابن المسيح.
واختلفوا في تفسير هذه المقالة اختلافا فاحشا بعد اتفاقهم على أنّ الله تعالى جوهر ـ بمعنى أنّه قائم بنفسه ـ غير متحيّز ، ولا مختصّ بجهة ، ولا مقدّر بقدر ، ولا يقبل الحوادث بذاته ، ولا يتصور عليه الحدوث والعدم.
ولعلّ منشأ الاختلاف في المسيح عيسى ابن مريم وادّعاء الألوهيّة فيه يرجع الى امور يعتقدونها فيه عليهالسلام.
الأول : القول بتجسّد الكلمة ، أي : أنّ الله تعالى تجسّد في المسيح عليهالسلام ، واختلفوا في كيفيّته ، فقال بعضهم : إنّ الكلمة قد تجسّدت بمعنى أنّ الإله ـ اقنوم الابن ثالث الثالوث ـ الّذي هو واحد حقيقة ، وثلاثة حقيقة قد تجسّد في الأرض وتوشّح الطبيعة البشرية فأخذ جسدا من مريم عليهاالسلام وبقي اقنوم الأب ، واقنوم الروح القدس في السماء ، وبعد ثلاثين سنة انفتحت السماء ونزل اقنوم الروح القدس وحلّ على اقنوم الابن المتجسّد ، وبقي الأب في السماء ، وصار اقنوم الابن المتجسّد ، واقنوم الروح القدس الحال عليه في الأرض ـ الى آخر ما ذكروه في المقام.