هذه بعض القواعد المسلّمة عند الجميع ، الّتي يستلزم القول بها بطلان جملة كثيرة من معتقدات النصارى في المسيح عيسى بن مريم عليهالسلام.
وأمّا القول بتجسّد الكلمة الأزليّة ، فإنّه مجرّد دعوى بلا دليل ، بل الأدلّة قائمة على خلافه ، فإنّه إن كان المراد منه حلول الباري القديم عزوجل في المسيح الحادث وتقمّص جسده ، فهو باطل بلا إشكال ، ويدلّ على بطلانه ما دلّ على بطلان كون الله تعالى جسما ، وامتناع حلول الحوادث فيه.
وإن كان المراد منه رفع المسيح الحادث الى مقام الألوهيّة ، فهو من انقلاب الحقائق الّذي هو ممتنع عند الجميع ، إذ كيف يمكن للمخلوق الحادث أن يكون إلها أزليا قديما.
وإن كان المراد منه إشراقا من الله تعالى عليه ، فإن كان المراد من الإشراق إشراقا نوريّا كإشراق الشمس ، فهو باطل لأنّه من لوازم الجسميّة ، والله تعالى منزّه عنها.
وإن كان المراد منه الفيض ونحوه ، فهو لا يختصّ بالمسيح ، فإنّ آدم عليهالسلام وسائر الأنبياء العظام لهم مثل تلك الفيوضات الربوبيّة ، كلّ حسب استعداده.
وأمّا القول بالأقانيم ، فإن كان المراد منها صفات الله تعالى ، فلا بدّ من تطبيقها على القواعد المسلّمة الّتي ذكرت في الفلسفة الإلهيّة ، من كونها عين الذات إذا كانت من صفات الذات ، وإنّها أزلية أبدية لا يمكن تحديدها بحدّ كما لا يمكن تحديد الذات المقدّسة ، وعدم اختصاصها بواحد أو اثنين أو ثلاثة بل المدار على ما ميّزوا به صفات الذات عن صفات الفعل وغير ذلك ، فإن كان مرادهم من الأقانيم تلك ، فلا مشاحة في الاصطلاح ولكنهم لا يقولون به.
وإن كان المراد تعدّد الآلهة كما يظهر من كلماتهم ، فإنّ أدلّة التوحيد تنفي ذلك صريحا كما عرفت آنفا.
وأمّا القول بأنّ خلق المسيح عليهالسلام من غير أب يدلّ على كونه إلها ، فإنّ آدم عليهالسلام أبا البشر أحرى بأن يكون إلها على ما يزعمون ، فإنّه خلق من غير أب