مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٠٧].
أو إشارة الى أنّ ما تفضّل به على الإنسان ووهب له أعضاء يستخدمها في حياته ، فكلّ عضو ـ نعمة وهبة ـ له عقد معه جلّ شأنه بأن لا يصرفه في معاصيه ونواهيه ، فلا بدّ من الوفاء بهذه العقود الّتي عقدت معه تعالى ، ويدلّ عليها روايات كثيرة ذكرها علماء الأخلاق في كتبهم.
أو إشارة إلى ما بذلوا من الجهد في هداية خلقك ، ومهّدوا السبيل لهم للفوز إلى القرب من حضرة جمالك ، وتعاقدوا ببذل أغلى وأعلى ما عندهم بقبولك بالدخول مع عبادك.
أو إشارة الى إماتة الإنسيّة للنيل الى المقامات العالية والعقد على مخالفة الهوى وطرد الشيطان ؛ لتلقّي أنوارك.
وكيف ما كان ، فمن أوفى بعهوده ودام على عقوده وصبر على بلائه ونجح في امتحانه ، فقد فاز بمقصوده وتلقته السعادة ، وتمثلته الإنسانيّة ، ودخل الجنّة بعد ما أزلفت له.
ولعلّ المراد من قوله جلّ شأنه : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) احلّ ذبح بهيمة النفس الّتي هي كالأنعام بل أضلّ سبيلا ، وقتل الأهواء الشريرة حتّى تنكشف الحقائق وتزيل الأوهام ، فعن علي عليهالسلام : «المؤمن ينظر بنور الله» ؛ لأنّه من الله تعالى والى الله تعالى ، وهو في نور الله ويرى بنور الله ، إن عرف الله وأزال الحجب بينه وبين الله تعالى ، وهذه الأنوار غير محدودة ، كما تقدّم في أحد مباحثنا السابقة ، ولكن الاستعداد واللياقة بل الأهليّة لها دخل فيها.
ولعلّ الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يشير الى الخلّص من عباده ، وهم النفوس المطمئنة الثابتة الّتي فازت بالقرب الى ساحة جماله ، وتشرّفت بالخطاب الأبدي الربوبي ، فسمعت باذن نقية داعية قوله تعالى : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي) ؛ لأنّها أحرمت بالتنفّر عن الدنيا وما فيها وتوجّهت الى كعبة الوصال بتلبية الشوق ، وتمسّكت بعرى العشق لحضرة الجمال ، وآنست مع الطائفين