حول بيت الحقيقة والأمان ، وأوت الى الركن خوفا من الأغيار ، وتجرّدت عن ما سواه ، وانفردت عن كلّ محبوب ومطلوب بالتوجّه الى المقام ؛ ولذلك كلّه يرى في كلّ شيء جماله جلّت عظمته كما عن سيد العرفاء وإمام الموحّدين عليهالسلام.
ولا شكّ (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ) بترقي النفوس اللائقة وبذبح النفس إن اتّصفت بصفات البهيمة ، ورعت في مراتع الحيوانات السفليّة ، ورفثت كما ترفث الحيوانات البريّة ، وتشبّهت بالحيوانات السبعيّة حتّى تنال طعمة من المآكل الدنيّة.
(ما يُرِيدُ) كما يشاء ويريد ، فإنّه رؤف كريم يحبّ أن يرى آثار نعمه على عباده ، وفي الحديث : «انّ الله جميل ويحب الجمال» ، الأعمّ من الظاهري والمعنوي ، ولا يحبّ القيود والسلاسل «ويبغض العبد القاذورة». أي : الصفات الذميمة المتوطنة في النفس أو الأوساخ الظاهرة على الجسد.
ولعلّ المراد من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) لا تقطعوا السبل عمّن أراد وجهه تعالى ؛ لأنّ الجهة عظيم لا السالك شريف ـ إلّا إذا كان مؤمنا ـ فإنّ القلوب تتسارع الى الفضائل إن انكشفت لها الحقائق وتؤمن بالله العظيم وملائكته ورسله ؛ لأنّ العبرة بالخاتمة ، فلا تتهاونوا بحرمات الله تعالى بصدّ السير للسالك الى المنازل والصعود من المواقف الدنيّة إلى التجرّد للقائه تعالى.
كما أنّ بعض النفوس المؤمنة تشرّفت بالقرب لساحته جلّ شأنه وفازت بنيل رضاه بالإفاضة عليها ، كذلك بعض الأمكنة أشرق عليه نور ربّه جلّ شأنه فتشرّف وسمى على غيره ، وكذا بعض الأزمنة فضّل على غيره لتجلّيه تعالى فيه ، وهو تعالى فضلّ الأشهر والأيام والأوقات والأمكنة بعضها على بعض ، كما فضّل الرسل والأمم بعضها على بعض ؛ لتتسارع النفوس المستعدّة لشوق اللقاء بعد تطهيرها عن الرذائل والأغيار ، ثمّ التحلية بصفات الأخيار ، فقال تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) ، أي : لا تستحلّوا المآثم فيه وقدّموا التخلية بإزالة الصفات الذميمة حتّى تنالوا شرف التحلية فيه ، فإن للزمان والمكان والصاحب والأستاذ الدخل الكبير في تأثير النفس للايصال إلى المقصود بها ، وفي تحلية النفوس فيها.
ولا تمنعوا قوما أرادوا التشرّف الى كعبة الآمال وساقوا الهدي للقربان