لأجل التوصّل لما يوجب الغفران من الآثام ، حيث قال تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) ، أي : لا تحلّوا الهدي الّذي يريد صاحبه التقرب به ، ولا القلائد الّتي أسعرت بالشدّ لفكّ الشدّة.
ولعلّ المراد من قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أنّ كلّ مخلوق من حيث إضافته الى خالقه جلّ شأنه حسن ، مع قطع النظر عن كونه سعيدا أو شقيا ؛ لأنّه تعالى خلقه بيديه ومن روحه وهو على صورته كما في بعض الأخبار ، وإن لم يرض المولى بكفره ـ فإحسانه لخلقه لا لكفره ـ وإذا قصد بيت الأمن والأمان وأراد التوجّه إليه بالمقام ، فلا تصدّوه عنه علّه يتحلّى بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ويتشرّف بهدي الإسلام ؛ لأنّهم كسائر العباد (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) من التجارة في العاجلة أو الرضوان في الآخرة حسب زعمهم ، والله يهدي لرضوانه من يشاء حسب لياقته وشأنه ، فلا يجوز تحقيرهم بمنعهم عن الوصول الى حرم الأمان ، إلا إذا خبثت ضمائرهم ، فخرجت عن قابلية الصلاح والإصلاح ، فحينئذ لا يؤم البيت الحرام.
ويحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) الوصول الى مرحلة التطهير بتمييز الحقّ عن الباطل بالعيان ؛ لأنّه إذا حلّيت النفوس بعد التخلية وقربت الى ساحة جماله بأداء شعائره ، ورقّت الأرواح حتّى وصلت الى شهود أنواره ، وخلت للأجسام النظر الى صفاته والأخذ من رياض بهجته وبهائه ، واستعدّت القلوب بعد ترويض النفوس وتزكيتها للمقام الرفيع ، فحينئذ نالت مرحلة : «كلي واشربي وقرّي عينا» ، فأحاط التعظيم بها من كلّ جانب وشاهدت ما شاهدت وميّزت الخبيث من الطيب ، وذاقت النفس طعم الحبّ وألم الفراق ، وقال بعض العرفاء :
لا محبّة إلّا بأصول |
|
ولا وصول إلّا غالي |
ولا شراب إلّا مختوم |
|
ولا مقام إلّا عالي |
ولعلّ المراد من قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أن لا يصدّكم عن السير نحو الكمال بالوصول الى مقام