ما ذكرناه من إنزال حكم إلهي في هذا اليوم يكون فيه الضمان لحفظ هذا الدين وديمومته ، وبه خرج من الظهور والحدوث الى مرحة البقاء والدوام.
ومنها : أن يأس الكفّار وانقطاع رجائهم عن هذا الدين لم يتحقّق إلّا بتشريع حكم يضمن بقاءه ويحفظه من الضياع إذا مات القائم بأمره ، فإنّ كلّ مذهب ونحلة لا تبقى على شوكتها وقوّتها وصفاتها ونضارتها إذا مات حملتها وحفظتها والقائمون بأمرها ، فلا بدّ من أن يقوم بعدهم من يحفظها ويدبّر أمرها ، وكان رجاء الأعداء الوحيد هو موت صاحب هذا الدين ليقضوا عليه بعد ما لم ينفعه التهديد ، والتوعيد والقهر ، والجبر ، والقتل ، والضرب في حياة صاحبه ، وقد حصل لهم اليأس عند ما خرج الدين من القيام بفرد معين وشخص خاصّ الى أشخاص متعدّدين يتحمّلون الأمانة بصدق ووفاء ، ويكونون مظاهر للشريعة قولا وعملا ، وانقطع رجاؤهم عند ما علموا بأنّ الدين خرج من مرحلة الحدوث الى مرحلة البقاء ، ولعلّ في قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة البقرة ، الآية : ١٠٩] إشارة إلى ذلك ، فإنّ الكفّار عند ما انقطع رجاؤهم من تقويض هذا الدين في حياة النبي صلىاللهعليهوآله تمنّوا الانقضاض عليه وردّ المؤمنين عن إيمانهم بعد ارتحاله وموته صلىاللهعليهوآله ، ولكن الله جلّت عظمته وعد المؤمنين بأن يأتي بحكم يرفع هذا الخوف الكامن في نفوسهم ، وهو الّذي ذكره عزوجل في الآيات المباركة في المقام.
ومنها : أنّ سياق الآية الشريفة يختلف عن سياق مثيلتها الّتي ورد فيها نفس الأسلوب ، كقوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) ، الّذي يدلّ على تشريع حكم إرفاقي ينبئ عن عظيم امتنانه على الامة ، حيث أحلّ لهم الطيبات وطعام أهل الكتاب ، كما ستعرف.
وأمّا المقام ، فإنّ سياقه يدلّ على تعظيم أمر «اليوم» الّذي نزل فيه حكم