الأطماع ، أو خنق نفوسهم بإخراج أنوارها الكائنة فيها بالرياء والإسماع ، أو بضرب جرح الصدر المنشرح بالإسلام والمهيّأ للحضور عند صاحب القلب وخالقه العلّام ، (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) فحرّم عليهم أن يردوا أنفسهم من أعلى العليين إلى أسفل السافلين باتّباع الشهوات والتعلّق بالماديات ، (وَالنَّطِيحَةُ) أي : حرّم عليهم التناطح مع الأقران بالتفاخر والمماراة بالعلم والزهد ـ حتّى في السير والسلوك ـ بين الأخوان ، (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) فحرّم عليهم القرب عن كلّ ظالم الّذين يتهاوشون على جيفة الدنيا تهاوش الكلاب ، (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) كما حرّم عليهم تقرّب نفوسهم لبيوت الأوثان ، وهي المظاهر الموجبة للصدّ عن معرفة الله تعالى بالتوغّل فيما يوجب البعد عن ساحة قربه بمعاشرة غير الأولياء الأخيار والأبرار ، (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) فلا تكونوا متردّدين متفئلين غير متوكّلين على الله تعالى بفتح قلوبكم لسهام الشيطان.
فإذا خلصتم من هذه الدواهي ، وتركتم هذه القبائح ، وخرجتم من هذه الظلمات لكون (ذلِكُمْ فِسْقٌ) ، أي : أنّ جميعها مهالك وظلمات توجب إماتة القلب ، وإخماد الفطرة ، والعذاب الأليم ؛ لأنّه يوجب الخروج عن طاعة الله تعالى ف (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) لتحلية نفوسكم بالفيوضات الإلهيّة بعد التخلية عن المكائد الشيطانيّة ، ويأسهم عن إضلالكم لعدم تأثير الدنيا في نفوسكم مهما تزيّنت وتلوّنت ؛ لحصول المقصود بعد ما خلّصتم أنفسكم من تلك الظلمات ، فعادت ليلكم نهارا ونهاركم أنوارا (مِنْ دِينِكُمْ) لأنّه المنهج الوحيد للرقي الى المراتب العالية ، والوصول الى المقامات السامية والفوز بالسعادة الأبديّة ، (فَلا تَخْشَوْهُمْ) لأنّكم بلغتم المرحلة الّتي لا تؤثّر فيكم مكائد الشيطان ومصائده ، ونلتم المقام الّذي قاله رسول الله صلىاللهعليهوآله لبلال : «ما فعلت يا بلال سمعت دقّة نعليك قبل دخولي الجنّة» ، (وَاخْشَوْنِ) لأنّ الكمال والتكامل منه تعالى وأنّ كيده متين وبطشه شديد ، ولو لا إمداده لانعدمت الكائنات وزالت السماوات وفنيت الموجودات ، (الْيَوْمَ) وهو يوم ظهور الحقّ وكشف الحقيقة ، (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فإنّ كمال الدين كان في