كما يجيء لأولياء الله ، فإذا أخطر له الملك هذه الآية يقول : ما أنا مخاطب بها ، وإنما خوطب بها أهل الدعوى الذين ينسبون الفعل إلى أنفسهم ، فإنه قال : افترى ، فنسب الافتراء إلى هذا القائل ، وأنا أقول إن الأفعال كلها لله تعالى لا إليّ ، فهو الذي قال على لساني ، ثم إنه قال : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ) فأضاف القول إليه ، وكذلك قوله : «إلي» ومن أنا حتى أقول إليّ ، إذ الله هو المتكلم وهو السميع ، ثم قال : (سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) وما أقول أنا ذلك ، بل الإنزال كله من الله ، فإذا تفقه في نفسه في هذا كله افترى على الله كذبا ، وزيّن له سوء عمله فرآه حسنا.
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٩٤)
(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) بالرفع يعني الوصل فالبين في اللسان من الأضداد.
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٩٥)
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) بما يظهر منهما ، فيعلم من ذلك اختزان البذرة والنواة والحبة ما يظهر منها إذا بذرت في الأرض ، وكيف تدل على خروج العالم من الغيب إلى الشهادة ، لأن البذرة لا تعطي ما اختزن الحق فيها إلا بعد دفنها في الأرض ، فتنفلق عما اختزنته من ساق وأوراق وبذور أمثالها ، من النواة نوى ، ومن الحبة حبوب ، ومن البذرة بذور ، فتظهر عينها في كثير مما خرج عنها. فتعلم من هذا ما الحبة التي خرج منها العالم! ففلق الحب عن أمثاله ، فلم يظهر سوى أشكاله.