ذهب وانقضى في حقها ، ولهذا ينقطع عمل الإنسان بالموت ـ الوجه الثاني ـ هو عند خروج الشمس من مغربها فيسد باب التوبة ويغلق ، فلا ينفع نفسا إيمانها ولا ما تكتسبه من خير بذلك الإيمان ، فغلق باب التوبة بخروج الشمس من مغربها رحمة بالمؤمن فلا يرتد مؤمن بعد ذلك ، فإنه ليس له باب يخرج منه ، ووبال بالكافر لعدم قبول توبته ولا ينفعه عمل مع كونه في الدنيا ، فإنه لا بد لهذه الشمس أن تطلع من مغربها ولها بهتة ، ولهذا تطلع من المغرب بغتة ، مع كونها ما سكنت عن حركتها ، ولكن حيل بينها وبين بركتها ، فلم ينفع بطلوعها إيمان ولا عمل ، ولحق أهل الاجتهاد بأهل الكسل.
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦٠)
إذا أدخل الحق صورة العمل الصالح الميزان ووزنه بصورة الجزاء ، رجحت عليه صورة الجزاء أضعافا مضاعفة ، وخرجت عن الحد والمقدار ، منة من الله وفضلا ، وهو قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) وقال : (ويضاعف الله لمن يشاء والله واسع عليم) وإذا اتفق أن يدخل الحق صورة العمل المنهي عنه في الميزان بالجزاء ، فإنه لا يزيد عليها في المقدار وزن ذرة أصلا إذا أقام الوزن عليه بالجزاء ، وكان عذابه في النار جزاء على قدر عمله ، لا يزيد ولا ينقص ، لا في العمل ولا في مقدار الزمان ، وهو قوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦٢)
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي) الصلاة المعه دة (وَنُسُكِي) هنا معناه عبادتي ، أي : إن صلاتي وعبادتي ، يقول ذلتي (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أي وحالة حياتي وحالة مماتي (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)