إليه ، فإن هذه الطرق الأربع هي طرق الشيطان ، قال ذلك لما سمع أمر الله (وَاسْتَفْزِزْ) قال : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) ولما قال له : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) قال : (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ولما قال له الله : (وَشارِكْهُمْ) قال الشيطان : (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) ولما قال له : (وَعِدْهُمْ) قال الشيطان : (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) فهي صورة حرب لما كان القلب هو موضع الإمام ، وهو الذي اصطفاه الله من نشأة عبده حين قال : [وسعني قلب عبدي المؤمن] وليس لعدو الله غرض إلا هذا القلب ، فلم يبق للعدو الذي نصبه الله إلا أن يأتي من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا يبتغي الاستيلاء على القلب ، فهي حرب سجال بين جند الله وبين جند الشيطان ، والذي أراد الشيطان هنا ليس هو يمين الجارحة ، فإنه لا يلقي على الجوارح ، وكذلك ما هو شمال الجوارح ولا أمام الإنسان ولا خلفه ، فإن محل إلقائه إنما هو القلب ما يقدح في أفعال ما يتعلق بيمينه أو شماله أو من خلفه أو من بين يديه ، ويستعين على الإنسان بالطبع ، فإنه المساعد له فيما يدعوه إليه من اتباع الشهوات ، فقال : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) بظاهر القول الذي يؤدي إلى التجسيم والتشبيه والتشكيك في الحواس ، ويدفعه المؤمن بالعلم فيمنعه أن يصل إليه فبنور علم البرهان يرد به الشبه المضلة القادحة في وجود الحق وتوحيده وأسمائه وأفعاله ، فبالبرهان يرد على المعطلة ويدل على إثبات وجود الإله ، وبه يرد على أهل الشرك الذين يجعلون مع الله إلها آخر ، ويدل على توحيد الإله من كونه إلها ، وبه يرد على من ينفي أحكام الأسماء الإلهية وصحة آثارها في الكون ، ويدل على إثباتها بالبرهان السمعي من طريق الإطلاق ، وبالبرهان العقلي من طريق المعاني ، وبه يرد على نفاة الأفعال من الفلاسفة ، ويدل على أنه سبحانه فاعل وأن المفعولات مرادة للحق سمعا وعقلا ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) بشبه وأمور من الخيالات الفاسدة ، وهو ما يدعوك إليه أن تقول على الله ما لا تعلم ، وتدعي النبوة والرسالة وأن الله قد أوحى إليك ، فيقوم التفكر فيدفعه ، فإنك إن لم تتفكر وتبحث حتى تعثر على أن تلك الأشياء شبهات هلكت ، وإن طردته من خلفك لاحت لك علوم الصدق ومنازله وأين ينتهي بصاحبه ، كما قال تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) فإن القوة لما كانت صفة الصادق حيث قوي على نفسه ، فلم يتزين بما ليس له ، والتزم الحق في أقواله وأحواله وأفعاله ، وصدق فيها ، أقعده الحق عند مليك مقتدر (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) وهذه الجهة هي الموصوفة بالقوة فإنه يأتي منها ليضعف إيمانك ويقينك ، ويلقي عليك شبها في أدلتك