من أسماء الله ، والطين ظلمة محضة ، فجمع إبليس بين الجهل والكذب ، فإنه ما هو خير منه لا عند الله ولا في النشأة ، وفضل بين الأركان ولا فضل بينها في الحقائق ، وما علم أن سلطان الماء الذي خلق منه آدم أقوى منه فإنه يذهبه ، وأن التراب أثبت منه للبرد واليبس ، فلآدم القوة والثبوت لغلبة الركنين اللذين أوجده الله منهما ، وإن كان فيه بقية الأركان ولكن ليس لها ذلك السلطان ، وهو الهواء والنار ، وإبليس بحكم أصل نشأته بخلقه من لهب النار له عدم الثبوت وعدم البقاء على حالة واحدة ، فهو سريع الحركة بحكم أصل خلقه من لهب النار ، والإنسان له الثبوت فإنه من التراب ، فله البرد واليبس فهو ثابت في شغله.
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣)
أهبط إبليس للأرض عقوبة لما وقع منه فسأل الله الإغواء أن يدوم له في ذرية آدم لما عاقبه الله بما يكرهه من إنزاله إلى الأرض فقال تعالى مخبرا عنه.
(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (١٧)
إن الأعمال هنا في التكليف مقسمة على أربع جهات ، قرن الله السعادة والشقاء بها ، وهي اليمين والشمال والخلف والأمام ، لأن الفوقية لا يمشي الجسم فيها بطبعه ، والتحتية لا يمشي فيها الروح بطبعه ، فما جعلت سعادة الإنسان وشقاوته إلا فيما يقبله طبعه في روحه وجسمه ، وهن الجهات الأربع ، وبها خوطب ، ومنها دخل عليه إبليس ، فهي جهات الأهواء ، ولم يقل من فوقهم ولا من تحتهم لأنه لم يقترن بها عمل ، فإنها للتنزل الإلهي والوهب الرباني الرحماني الذي له العزة والمنع والسلطان ، فلما علم إبليس بهذه الجهات قال : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) فما جاء إبليس إلا من الجهات التي تؤثر في سعادة الإنسان إن سمع منه وقبل ما يدعوه إليه ، وفي شقاوته إن لم يسمع منه ولم يقبل ما دعاه