وهو قوله : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) فكفة ميزان العمل هي المعتبرة في هذا النوع من الوزن ، الموصوفة بالثقل في السعيد لرفعة صاحبها ، والموصوفة بالخفة في حق الشقي لثقل صاحبها ، وهو قوله تعالى : (يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) وليس إلا ما يعطيهم من الثقل الذي يهوي به في نار جهنم.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١١)
قيل لإبليس : اسجد لآدم ، فغاب عن لام الخفض التي هي إشارة إلى لام الإضافة ، واحتجب العلم عنه بذكر آدم ، فلو رأى اللام من قوله لآدم لرأى نور محيا الذات المطلوبة لقلوب الرجال ، فما كانت تتصور منه الإباية عما دعاه إليه ، فاحتجب إبليس واستكبر بنظره إلى عنصره الأعلى عن عنصر آدم الترابي ، فلما رأى الشرف له امتنع عن النزول للأخس ، وما عرف ما أبطن الله له فيه من سبحات الأسماء الإلهية والإحاطة.
(قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢)
لما اجتمع النار مع النور في الإحراق وقوة الفعل في بقية العناصر ، نظر إبليس في أصل نشأته وعرف أن عنصره الأعظم النار ، وهو أرفع الأركان مكانا ، وله سلطان على إحالة الأشياء التي تقتضيها الطبيعة ، فإن النار لا تقبل التبريد بخلاف بقية الأركان ، فالهواء يسخن وكذلك الماء وكذلك التراب ، فللنار في نفس الأركان أثر وليس لواحد منها في النار أثر ، وجهل إبليس ما فطر الله آدم عليه من كمال الصورة ، فتكبر ، وأدّاه تأويله أن يفتخر على آدم ويقول : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) أي أقرب إليك من هذا الذي خلقته من طين ، ثم علل فقال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فالنار أقرب في الإضاءة النورية إلى النور ، والنور اسم