كالحرام ، على كل حال من الأحوال ، فإنه ما أتي على أحد إلا من بطنه ، منه تقع الرغبة وقلة الورع في الكسب والتعدي لحدود الله تعالى ، فالله الله يا بني ، التقليل في الغذاء الطيب في اللباس والطعام ، فإن اللباس أيضا غذاء الجسم كالطعام ، به ينعم ، حيث يحفظه من الهواء البارد والحار ، الذي هو بمنزلة الجوع والامتلاء والظمأ والري المتفاوت ، فكل واشرب والبس لبقاء جسمك في عبادتك لا لنفسك ، فإن الجسم لا يطلب منك إلا سد جوعة بما كان ، ووقاية من الهواء الحار والبارد بما كان ، وأما النفس فلا تطلب منك إلا الطيب من الطعام الحسن الطعم والمنظر ، وكذلك المشرب والمركب والمسكن والملبس ، إنما تريد من كل شيء أحسنه وأعلاه منزلة وأغلاه ثمنا ، ولو استطاعت أن تنفرد بالأحسن من هذا كله دون النفوس كلها لم تقصر في ذلك ، والذي يؤديها إلى ذلك طلب التقدم والترأس ، وأن ينظر إليها ويشار ، وأن لا يلتفت إلى غيرها ، ولا تبالي حراما كان ذلك أو حلالا ، والجسم ليس كذلك ، إنما مراده الوقاية مما ذكرناه ، فصار الجسم من هذه طالبا لما يصونه خاصة ، من أكل وشرب وملبس ومسكن وأشباه ذلك مما يصلح به ، وصارت النفس أو العقل الشرعي الكاسبة والمطعمة له ، فإن كانت النفس المغذية له والناظرة في صونه خاض في الشبهات وتورط في المحرمات ، لأنها أمارة بالسوء ومطمئنة بالهوى ، فهلكت وأهلكته في الدارين ، لأنها ربما لا تبلغ هنا مناها وطلبتها ، لأن الأمر الإلهي رزق مقسوم ، وأجل مسمى محدود ، وإن كان العقل الشرعي المغذي له ، تقيّد وأخذ الشيء من حله ووضعه في حقه ، وترك الشهي من الطعام وإن كان حلالا ، فغذاؤه ما تيسر ، وهمته فيما عند مولاه من رؤيته إلى ما دون ذلك مما يبقى بخلاف النفس ، فإن همتها وإن تعلقت بما هو حسن في الحال ، فمآله عذر نتن ، نسأل الله العافية ، والحجة علينا في هذا بيّنة ، لأنه لو كان هذا خبرا لكان بعض عذر وإنما هذا كله معاينة منّا ، وليت لو وقفت الحال هنا ، ولا تبقى عليه تبعات ذلك في الدار الآخرة ، حين يسأل مم كسبت؟ وفيما أنفقت؟ ويسأل عن الفتيل والقطمير ، بل في مثقال ذرة ، فالحجة قائمة للعاقل على نفسه إن طلبت منه هذا ، فما يجب عليك في الطعام من اجتناب المحظور فيه والمتشابه ، يتوجه عليك في اللباس ، والتقليل من هذا كالتقليل من هذا ، وما ملىء وعاء شر من بطن ملىء بالحلال ، وينبغي أن لا تأكل إلا مما تعرف إذا كنت موكلا لنفسك ، فإن رأس الدين الورع ، والزهد قائد الفوائد ، وكل عمل لا يصحبه