ذلة وافتقار وخشوع وخضوع وسجود وركوع ، وتارة بنعته عزوجل من كرم ولطف ورأفة وتجاوز وعفو وصفح ومغفرة وغير ذلك مما هو لله ، ومن زينة الله التي ما حرمها الله على عباده ، فإذا كنت بهذه المثابة أحبك الله لما جملك به من هذه النعوت ، فزينة الله غير محرمة علينا ، والذي وقع عليه الذم زينة الحياة الدنيا ، أي الزينة القريبة الزوال ، أي لا تلبسوا من الملابس إلا ما يكون دائما ، كملابس العلوم والمعارف ، فإنها لا تخلق ولهذا قال : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) يعني العلم الذي ألبسك التقوى من قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) قال علماء الطبيعة : ما قال أحد في أصل هذا العلم أجمع ولا أبدع من قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ قال : [المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، وأصل كل داء البردة] وأمر في الأكل إن كثر ولا بد فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس ، وقال صلىاللهعليهوسلم : [بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه] هذا في تدبير هذا البيت الذي هو هذه الأجسام الطبيعية التي خلقها وسواها وعدلها بالبناء لسكنى النفوس الإنسانية المدبرة لها. واعلم وفقك الله أن النفس العدوة الكافرة الأمارة بالسوء ، لها على الإنسان قوة كبيرة وسلطان عظيم بسيفين ماضيين ، تقطع بهما رقاب صناديد الرجال وعظمائهم ، وهما شهوة البطن والفرج ، اللتان قد تعبدتا جميع الخلائق وأسرتاهم ، فقد سلط الله تعالى على هذا العبد الضعيف المسكين المسمى بالإنسان ، شهوتين عظيمتين وآفتين كبيرتين ، هلك بهما أكثر الناس ، وهما شهوة البطن والفرج ، غير أن شهوة الفرج وإن كانت عظيمة قوية السلطان ، فهي دون شهوة البطن ، فإنها ليس لها تأييد إلا من شهوة البطن ، فإن غلب هذا العدو البطني يقل التعب مع الفرج ، بل ربما تذهب ذهابا كليا ، فهذه الشهوة البطنية تجعل صاحبها أولا يمتلىء من الطعام ، مع علمها أن أصل كل داء البردة ، دينيا كان أو طبيعيا ، فالداء الطبيعي الذي تنتجه هذه البردة ، هو فساد الأعضاء من أبخرة فاسدة ، تتولد عنه آلام وأمراض مؤدية إلى الهلاك ، وأما الداء الديني فإنه يؤدي إلى هلاك الأبد ، فكونه يؤديك إلى فضول النظر والكلام والمشي والجماع وغير ذلك من أنواع الحركات المردية ، وإن كان الأمر على هذا الحد ، فواجب على كل عاقل أن لا يملأ بطنه من طعام ولا شراب أصلا ، فإن كان صاحب شريعة طالبا سبيل النجاة ، فيتوجه عليه وجوبا تجنب الحرام ، والورع في الشبهات المظنونة ، وأما المحققة فواجب عليه تجنبها