لها نعيم بما تحمله من العلوم والمعارف ، من طريق نظرها وفكرها وما وصلت إليه من ذلك بالأدلة العقلية ، ونعيم بما تحمله من اللذات والشهوات مما يناله بالنفس الحيوانية من طريق قواها الحسية ، من أكل وشرب ونكاح ولباس وروائح ونغمات طيبة تتعلق بها الأسماع ، وجمال حسي في صورة حسنة معشوقة يعطيها البصر ، في نساء كاعبات ووجوه حسان وألوان متنوعة وأشجار وأنهار ، كل ذلك تنقله الحواس إلى النفس الناطقة ، فتلتذ به من جهة طبيعتها ، وهذه الجنات ثلاث جنان : جنة اختصاص إلهي وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل ، وحدهم من أول ما يولد إلى أن يستهل صارخا إلى انقضاء ست أعوام ، ويعطي الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء ، ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا ، ومن أهلها أهل التوحيد العملي ، ومن أهلها أهل الفترات ومن لم تصل إليهم دعوة رسول ، والجنة الثانية جنة ميراث ، ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين ، وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها ، والجنة الثالثة جنة الأعمال ، وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم ، فمن كان أفضل من غيره في وجوه التفاضل كان له من الجنة أكثر ، وسواء كان الفاضل دون المفضول أو لم يكن ، غير أنه فضله في هذا المقام بهذه الحالة ، فما من عمل من الأعمال إلا وله جنة ، ويقع التفاضل فيها بين أصحابها بحسب ما يقتضي أحوالهم ، ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال لبلال : [يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ، فما وطئت منها موضعا إلا سمعت خشخشتك أمامي؟ فقال : يا رسول الله ما أحدثت قط إلا توضأت ، ولا توضأت إلا صليت ركعتين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بهما] فعلمنا أنها كانت جنة مخصوصة بهذا العمل ، فكأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لبلال : بم نلت أن تكون مطرّقا بين يدي تحجبني؟ من أين لك هذه المسابقة إلى هذه المرتبة؟ فلما ذكر له ذلك ، قال صلىاللهعليهوسلم : بهما ، فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها ، والتفاضل على مراتب ، فمنها بالسن ولكن في الطاعة والإسلام ، فيفضل الكبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل بالسن فإنه أقدم منه فيه ، ويفضل أيضا بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر الأزمان ، وكل زمان عيّنه الشارع ، وتقع المفاضلة بالمكان ، كالمصلي في المسجد الحرام أفضل من صلاة