القيامة قد سجد فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ما طلب من ربه فتح باب الشفاعة تعظيما لله وهيبة وإجلالا ، فعلموا أنه موطن سجود ، فلما دعوا إلى السجود هناك وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف سجد أصحاب الأعراف امتثالا لأمر الله ، فرجحت كفة حسناتهم بهذه السجدة وثقلت ، فسعدوا ، لأنها سجدة تكليف مشروعة في ذلك الموطن عن أمر الله ، فيدخلون الجنة ، وكانوا ينظرون إلى النار بما لهم من السيئات وينظرون إلى الجنة بما لهم من الحسنات ، ولذلك أشار الحق تعالى بأن ختم سورة الأعراف بسجدة للتالي عند ذكر سجود الملأ الأعلى ، وهي سجدة اقتداء بهدي الملائكة (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) فذكر الحق عن أصحاب الأعراف أن لهم المعرفة بمقام الخلق ، فقال : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) أي بما جعلنا فيهم من العلامة ، فإن الآخرة دار تمييز ، فأهل الجنة مميزون وأهل النار مميزون ، فبالسمات يفرق بين الأشخاص يوم التنادي ، ولات حين مناص (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) فإنهم في مقام الكشف للأشياء ، فلو دخلوا الجنة استتر عنهم بدخولهم فيها وسترتهم ، لأنها جنّة ، عن كشف ما هم له كاشفون (أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) تحية إقبال عليهم لمعرفتهم بهم ، وتحية لانصرافهم عنهم إلى جناتهم (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) فإنهم يرون رحمة الله ، فيطمعون ، وسبب طمعهم أيضا أنهم من أهل لا إله إلا الله ، ولا يرونها في ميزانهم ، ويعلمون أن الله لا يظلم مثقال ذرة ، ولو جاءت ذرة لإحدى الكفتين لرجحت بها ، لأنهما في غاية الاعتدال ، فيطعمون في كرم الله وعدله ، وأنه لا بد أن يكون لكلمة لا إله إلا الله عناية بصاحبها ، يظهر لها أثر عليهم كما نادوا أيضا.
(وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٧)
والظلم هنا الشرك لا غير.
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ