والتعقيب إلا في الرتبة ، وما من ممكن من عالم الخلق إلا وله وجهان : وجه إلى سببه ، ووجه إلى الله تعالى ، فكل حجاب وظلمة تطرأ عليه فمن سببه ، وكل نور وكشف فمن جانب حقه ، وكل ممكن من الأمر فلا يتصور فيه حجاب ، لأنه ليس له إلا وجه واحد ، فهو النور المحض ، فعالم الخلق طبيعي ، وعالم الأمر أنوار ، والوجه الخاص الإلهي الخارج عن الخلق هو الأمر الإلهي ، فما كان من الوجه الخاص الذي لله تعالى في كل موجود يلقي إليه منه ما يشاء ، مما لا يكون لغيره من الوجوه ، فذلك الأمر ، وما كان من غير ذلك الوجه فهو الخلق ، فإن الله سبحانه يعطي بسبب وهو الذي كتبه القلم من علم الله في خلقه ، ويعطي بغير سبب ، وهو ما يعطيه من الوجه الخاص ، فلا تعرف به الأسباب ولا الخلق ، فعالم الأمر هو الوجه الخاص الذي في عالم الخلق ـ وجه آخر ـ كل موجود عند سبب حادث مخلوق مما سوى الله هو عالم الخلق ، فالغيب فيه مستور ، وكل ما لم يوجد عند سبب حادث مخلوق فهو عالم الأمر ، والكل على الحقيقة عالم الأمر ، إلا أنا لا يمكننا رفع الأسباب من العالم ، فإن الله قد وضعها ولا سبيل إلى رفع ما وضعه الله ، فقوله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) هو كل ما يوجده عند سبب ، أو بسبب ، كيف شئت قل ، من غير مشافهة الأمر التي هي الكلمة ، وقوله (وَالْأَمْرُ) ما لا يوجده بسبب ، أي كل من صدر عن الله بلا واسطة إلا بمشافهة الأمر العزيز مثل الروح ، فالله قادر من حيث الأمر ، مقتدر من حيث الخلق ، وعالم الخلق وعالم الأمر ، خص بالاسم الرب دون غيره من قوله تعالى : (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) إشارة إلى أنه سيد العالم وخالقه ومربيه. واعلم أن الأمور التي يكرهها الإنسان طبعا وشرعا هي أمور مخصوصة بعالم الخلق والتركيب الطبيعي لا بعالم الأمر ، فكان عالم الخلق والتركيب يقتضي الشر لذاته لتركيبه من طبائع متنافرة ، والتنافر هو عين التنازع ، والنزاع أمر مؤد إلى الفساد ، وعالم الأمر هو الخير الذي لا شر فيه ، فما ظهر من عالم التركيب من الشرور فمن طبيعته ، وما ظهر منه من خير فمن روحه الإلهي ، فالشرور كلها مضافة إلى عالم الخلق ، والخير كله مضاف إلى عالم الأمر ، ولما كان عالم الخلق الموجود من الطبيعة موجودا فيه الفساد والتغيير ، ولو لا هذا النور الذي من عالم الأمر هلك عالم الخلق جملة واحدة ، أمر الله سبحانه أن يلجأ إليه بالدعاء في دفع هذه المكاره ، فيؤيد الله الروح بما يعطيه من النور من الاسم الرب ليدفع به ما تقع به المضرة من جانب ظلمة الطبع ـ إشارة ـ قال