فإثبات الأسباب أدل دليل على معرفة المثبت لها بربه ، ومن رفعها رفع ما لا يصح رفعه ، وإنما ينبغي له أن يقف مع السبب الأول ، وهو الذي خلق هذه الأسباب ونصبها ، ورافع الأسباب سيء الأدب مع الله ، ومن عزل من ولاه الله فقد أساء الأدب ، وكذّب في عزل ذلك الوالي ، فانظر ما أجهل من كفر بالأسباب وقال بتركها ، ومن ترك ما قرره الحق فهو منازع لا عبد ، وجاهل لا عالم ، فالأديب العالم من أثبت ما أثبته الله ، في الموضع الذي أثبته الله ، وعلى الوجه الذي أثبته الله ، ومن نفى ما نفاه الله ، في الموضع الذي نفاه الله ، وعلى الوجه الذي نفاه الله ، وما من أحد من رسول ولا نبي ولا ولي ولا مؤمن ولا كافر ولا شقي ولا سعيد خرج قطّ عن رق الأسباب مطلقا ، أدناه التنفس ، فإن التنفس سبب الحياة ، واعلم أن ترك السبب الجالب للرزق عن طريق التوكل سبب جالب للرزق ؛ وأن المتصف به ما خرج عن رق الأسباب.
(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢٤)
فأبوا نصرة نبي الله موسى.
(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦)
وما أخذهم الله إلا بظاهر قولهم : (إنا هاهنا قاعدون) فقال لهم تعالى : إني تارككم تائهين في هذه القعدة أربعين سنة ، لا تستطيعون دخول بيت المقدس ، وما بقي معهم موسى عليهالسلام في التيه إلا لكونه رسولا إليهم فبقوا حيارى.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢٧)