(قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (١٢٧)
... (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) والمعبودين الذين نعبدهم ، وقد قرىء «ويذرك وألهتك» والألهة العبادة ، أي وعبادتك (قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) هذه الصفة في المخلوقين لا تكون قط عن حقيقة ، بل يعلمون عجزهم وقصورهم ، وإنما ذلك صورة ظاهرة كبرق الخلب ، وعلى قدر ما يظهر من هذه الصفة يتوجه القهر الإلهي والبطش الشديد.
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١٢٨)
قال موسى لقومه : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) فشرّك الحق نفسه مع العبد في الفعل ، وأمر الحق بالاستعانة بالله تقريرا للدعوى ، حتى يكون ذلك عن أمره ، وأمثالنا نقول : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ومثل هذا كله ، تعبدا ، ونثابر عليه بخلاف من لا يعلم ، وما قرر الحق لعباده هذا إلا غيرة ، فيتخذون ذلك عبادة ، ويقولون إذا رجعوا إليه وكان الملك لله الواحد القهار في موطن الجمع ، وسئلوا عن مثل هذا الشرك الخفي ، يقولون : أنت أمرتنا بالاستعانة بك ، فأنت قررت لنا أن لنا قوة ننفرد بها ، وإن كان أصلها منك ، ولكن ما لها النفوذ إلا بمعونتك ،