كان منعه حماية وعناية وجودا من حيث لا يشعر الممنوع ، وكان الضرر في حقه حيث لم يبلع إلى نيل غرضه لجهله بالمصلحة فيما حماه عنه النافع ، ومات هذا الممنوع لكونه لم تنفذ إرادته كما لا تنفذ إرادة الميت ، فهذا منع الله وضرره وإماتته ، فإنه المنعم المحسان ، فأرسل الرسل بالتوحيد تنبيها لإقرارهم في الميثاق الأول (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) فهو سبحانه المحيي الذي يعطي الحياة لكل شيء ، فما ثمّ إلا حي ، لأنه ما ثمّ إلا من يسبح الله بحمده ، ولا يسبحه إلا حي ، سواء كان ميتا أو غير ميت ، فإنه حي ، لأن الحياة للأشياء فيض من حياة الحق عليها ، فهي حية في حال ثبوتها ، ولو لا حياتها ما سمعت قوله (كن) بالكلام الذي يليق بجلاله فكانت ، وإنما كان محييا لكون حياة الأشياء من فيض اسم الحي كنور الشمس من الشمس المنبسط على الأماكن ، ولم تغب الأشياء عنه لا في حال ثبوتها ولا في حال وجودها ، فالحياة لها في الحالتين مستصحبة ، فهو يحيي ويميت ، وليس الموت بإزالة الحياة في نفس الأمر وعند أهل الكشف ، ولكن الموت عزل الوالي وتولية وال ، لأنه لا يمكن أن يبقى العالم بلا وال يحفظ عليه مصالحه لئلا يفسد ، ألا ترى إلى الميت يسئل ويجيب إيمانا وكشفا ، وأنت تحكم في هذه الحالة أنه ميت ، وما أزال عنه اسم الموت السؤال ، فإن الانتقال موجود ، فلو لا أنه حي في حال موته ما سئل ، فليس الموت بضد الحياة إن عقلت ، فالموت عبارة عن انتقال من منزل الدنيا إلى منزل الآخرة ، ما هو عبارة عن إزالة الحياة منه في نفس الأمر ، وإنما الله أخذ بأبصارنا ، فلا ندرك حياته ، فالميت عندنا ينتقل وحياته باقية عليه لا تزول ، وإنما يزول الوالي ، وهو الروح عن هذا الملك ، الذي وكله الله بتدبيره أيام ولايته عليه ، والميت عندنا يعلم من نفسه أنه حي ، وإنما تحكم عليه بأنه ليس بحي لوقوفك مع بصرك ، ومع حكمك في حاله قبل اتصافه بالموت من حركة ونطق وتصرف ، وقد أصبح متصرفا فيه لا متصرفا ، وهو تنبيه من الله لنا أن الأمر كذا هو ، التصرف فيه للحق لا لك ، في حال دعواك التصرف ، فالموت انتقال خاص على وجه مخصوص ، لذلك قال تعالى متمما (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فمن وحّده بلسان رسوله لا من لسانه جازاه الله على توحيده جزاء رسوله ، فإن وحده لا بلسان رسوله بل بلسان رسالته جازاه مجازاة إلهية لا تعرف ، تدخل تحت قوله : ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.