عليه جنانه ، وربط عليه قلبه ، احتمل أن يكون صادقا فيما ادعاه أنه صفة له ، ويحتمل أن يكون كاذبا في أن ذلك صفة له ، فاختبره الله لإقامة الحجة له أو عليه ، بما كلفه من عبادته على الاختصاص ، لا العبادة السارية بسريان الألوهية ، ونصب له وبين عينيه الأسباب ، وأوقف ما تمسّ حاجة هذا المدعي على هذه الأسباب ، فلم يقض له بشيء إلا منها وعلى يديها ، فإن رزقه الله نورا يكشف به ويخترق سدف هذه الأسباب ، فيرى الحق تعالى من ورائها مسببا اسم فاعل ، أو يراه فيها خالقا وموجدا لحوائجه التي اضطره إليها ، فذلك المؤمن الذي هو على نور من ربه وبينة من أمره ، الصادق في دعواه ، الموفي حق المقام الذي ادعاه ، بالعناية الإلهية التي أعطاه ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ، قال بألوهية الأسباب التي رزقه الله منها وجعلها حجبا بينه وبين الله ، فأضاف الألوهة إلى غير مستحقها ، فكذب في دعواه لكثرة الأسباب ، وإقراره في شركه بأن ذلك قربة منه إلى الله خالق الأسباب ، فلم يصدق ، والذي لم يقل بنسبة الألوهة للأسباب ، لكنه لم ير إلا الأسباب وما حصل له من الكشف ما يخرجه عنها ، مع توحيد الألوهة ، كان ذلك شركا خفيا لا يشعر به صاحبه أنه شرك يحجبه عن الأمر العالي الذي طلب به ، فلم يوجد صاحب هذه الدعوى في توحيد الله وتوحيده في أفعاله ـ مع الاضطراب عند فقد السبب وسكونه عند وجوده ـ صادقا ، فنقصه على قدر ما فاته من ذلك ، هذا ولم يجعل الأسباب آلهة ، فاختبر الله العباد بما شرع لهم بإرسال الرسل ، واختبر الله المؤمنين بالأسباب ، فكل صنف اختبره بحسب دعواه ، ولما وضع الله الأسباب لم يرفعها في حق أحد ، وإنما أعطى بعض عباده من النور ما اهتدى به في المشي في ظلمات الأسباب ، غير ذلك ما فعل ، فعاينوا من ذلك على قدر أنوارهم ، فحجب الأسباب مسدلة لا ترفع أبدا ، فلا تطمع ، وإن نقلك الحق من سبب ، فإنما ينقلك بسبب آخر ، فلا يفقدك السبب جملة واحدة ، فإنه حبل الله الذي أمرك بالاعتصام به ، وهو الشرع المنزل ، وهو أقوى الأسباب وأصدقها ، وبيده النور الذي يهتدى به في ظلمات بر هذه الأسباب وبحرها ، فمن عمل كذا وهو السبب ، فجزاؤه كذا ، فلا تطمع فيما لا مطمع فيه ، ولكن سل الله رشة من ذلك النور على ذاتك (شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) ـ نصيحة ـ اعلم أن الإنسان يغفل ويسهو وينسى ، ويرى لنفسه مرتبة سيادة في وقت غفلته على غيره من العباد ، فإذ ولا بد من هذا فليجتهد