وهو ابن باعورا ، وكان قد آتاه الله العلم بخاصية آية من آياته ، فدعا بها على موسى عليهالسلام وقومه ، فأجابه الله فيما دعا فيه ، وشقي هو في نفسه وسلب الله عنه علم ذلك ، وجعل مثله كمثل الكلب ، وهنا نكتة أحب بيانها وإن قليلا ما يقع التنبيه عليها ، وربما غلط فيها قوم من حيث الجواز الإمكاني ، والوجود قد ثبت على أحد طرفي الممكن ، فلا سبيل إلى انقلابه ، وهو أن الحق سبحانه ما تجلى لشيء قط واحتجب عنه ، ولا كتب في قلبه إيمانا فمحاه ، وكل من قال استتر عني بعد التجلي ، فما تجلى له قط ، ولكن جلّي له فقال : هو هو ، ولا ثبات للكون على حال ، فتغير عليه ، فكذلك كتبه الإيمان وإتيان الآيات والبينات ، إذا أعطيت في القلوب وقامت شواهدها منها فلا تزال أبدا ، فإذا أزيل عن شخص مثل هذا ، فاعلم أنه ما كتب قط في لوح قلبه ، ولا كان رداء عليها ، لكن كانت رداء عليه ، وأعطي عبارتها ولسانها ، لا أعيانها ووجودها ، فمثل هذا العطاء يسترد ويزال ، ولذلك قال : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) فقوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها) كما يسلخ الرجل من ثوبه ، والحية من جلدها ، فكانت عليه رداء كما ذكرنا ، لم يكن عنده سوى النطق ، فإذا نطق ظهر مكنون الاسم وأثره بالخاصية ، ولا يشترط في الخواص المفردة تطهير ولا تقديس ولا حضور ولا جمعية ولا كفر ولا إيمان ، إلا بمجرد ما يكون النطق بتلك الحروف المعينة ظهر الأثر ، ولو كان القائل غافلا عن نطقه ، فدل على أن الآيات كانت على بلعام ابن باعورا في الظاهر كالثوب ، فإنه أعطي الحروف ، فكان يفعل بالخاصية لا بالصدق ، فعمل بها في غير طاعة الله فأشقاه الله ، ولو كان في باطنه لمنعه الحياء والمقام من الدعاء على نبي من الأنبياء ، وأجيب لخاص الاسم ، وعوقب وجعل مثل الكلب ، ونسي حروف ذلك الاسم.
(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا