نفوسكم ، وميلها عن وحدة الأثر الروحاني ، وعدالة الجمعية عن الحضور مع الأمر والنهي ، والعمل بموجباتها إلى كثرة الروح الحيوانية الطبيعية العنصرية ، وغلبة الغفلة عن الأمر والنهي وموجباتهما عليها ، فإنكم متى ما دخلتم في هذه الوقاية ولذتم بها ، وصل إليكم تمام أثر الاسم «المؤمن» وآمنكم من غلبة شرور أنفسكم ، التي استعاذ منها النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : «نعوذ بالله من شرور أنفسنا» وحصل لكم استعداد السير والسلوك والترقي في مرتبة الإيمان إلى مرتبة الإحسان ، وتخاطبون حالتئذ بابتغاء الوسيلة بواسطة أداء الحقوق الباطنية المتعلقة بالمباحات الفعلية منها والتركية ، طلبا للوصول إلى مقام الإحسان والتحقق به بعد أداء حقوق الواجبات والمندوبات ، وترك المحرمات والشبهات والانحرافات والدخول في وقاية أمر الله تعالى ونهيه ، طلبا للتحقق بحقيقة مقام الإيمان ، فابتغاء الوسيلة يكون عين التقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله تعالى ، فيكون سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله ، وذلك هو الدخول في دائرة مقام الإحسان. فابتغاء الوسيلة إليه يعم حكمه أداء الواجبات والمندوبات ، وترك المحرمات والشبهات والانحرافات ، قولا وفعلا وخلقا وحالا ، وإتيان المباحات أو تركها مقرونا بالنية المخلصة عن شوائب حظوظ النفس في الدنيا والآخرة ، وإليه في هذه الآية إشارة إلى هذا الإخلاص ، إلا أن حكم ابتغاء الوسيلة بإتيان المباحات أخصّ لكونه غير متعين مفهومه في الأمر بالتقوى التي هي السلوك في سبيل التقرب إلى الله عزوجل بإتيان الأوامر وأداء الواجبات والمندوبات التي هي مقتضاها ، والانتهاء عن النواهي وترك المحرمات والشبهات والانحرافات التي هي مقتضياتها ، والدخول بواسطة ذلك الإتيان والانتهاء في وقاية رضى الله تعالى وهدايته ولطفه تقي المؤمن المسلم تلك الوقاية من ظهور آثار سخط الله تعالى وإضلاله وقهره وضره فيه ، ثم اعلم أن ابتغاء الوسيلة هو أن يأكل المؤمن ويشرب لله تعالى ، أو يتركهما لله لا لإرادة النفس وشهواتها ، ولا لمتابعة خاطر النفس عمل ذلك المباح أو تركه ، وكذا لا يتناول جميع المباحات ولا يتركها إلا بنيد التقرب إلى الله تعالى ، فإن كل شيء مباح هو نعمة من الله تعالى ، والآلة التي بها يتناول تلك النعمة أيضا نعمة من الله تعالى ، وكذا القدرة على تركها هي نعمة في حقه ، فلا يتناول ولا يترك شيئا من المباحات ، ولا يقول ولا يعمل شيئا منها ولا يترك إمضاء خاطرهما إلا بنية أداء شكر نعم الله تعالى ، لا لأجل شهوة النفس ومتابعة خاطرها وإرادتها ، ولا بغفلة عن ذكر الله تعالى ، وعن نية أداء