الناس لكون الحق ما ذكر له نعتا في خلقه ، وإنما جعل ذلك أسماء كأسماء الاعلام التي ما جاءت للثناء ، وإنما جاءت للدلالة ، وتلك الأسماء الإلهية الحسنى هي لنا نعوت يثنى علينا بها ، وأثنينا علينا بها ، وأثنى الله على نفسه بها ، لأن نزول الشرائع في العالم من الله إنما تنزل بحكم ما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان ، سواء صادف أهل ذلك اللسان الحق في ذلك أو لا ، وقد تواطأ الناس على أن هذه الأسماء التي سمى الحق بها نفسه مما يثنى بها في المحدثات إذا قامت بمن تقوم به نعتا أو صفة ، فأثنى الله على نفسه بها ، ونبه على أنها أسماء لا نعوت ، ليفهم السامع الفهم الفطن أن ذلك من حكم التواطؤ ، لا حكم الأمر في نفسه كما دل دليل الشرع بليس كمثله شيء من جميع الوجوه ، فلا يقبل الأينية. فالثناء على الله بصفات الإثبات التي جعلها أسماء ، وجعلها الخلق نعوتا ، كما هي لهم نعوت إذا وقع هذا الثناء من العبد صورة لا يكون روح تلك الصورة تسبيحا بليس كمثله شيء كان جهلا بما يستحقه المثنى عليه ، فإنه أدخله تحت الحد والحصر ، بخلاف كون ذلك أسماء لا نعوتا ، فياولي لا يفارق التسبيح ثناؤك على الله جملة واحدة ، فإنك إن كنت بهذه المثابة نفخت روحا في صورة ثنائك التي أنشأتها (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وإن كان له جميع الأسماء التي يفتقر كل فقير إلى مسماها ، ولا فقر إلا إلى الله ، ومع هذا فلا يطلق عليه من الأسماء إلا ما يعطي الحسن عرفا وشرعا ، وكذلك نعت أسماءه بالحسنى والحق هو الذي نصبه الشرع للعباد ، وبما سمى به نفسه نسميه ، وبما وصف به ذاته نصفه ، لا نزيد على ما أوصل إلينا ولا نخترع له اسما من عندنا ، وقال لنا : (فَادْعُوهُ بِها) فإذا دعوته باسم منها تجلى مجيبا لك في عين ذلك الاسم ، فإن الاسم الله وإن كان جامعا للنقيضين ، فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه ، تطلبه قرينة الحال ، فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه : يا الله ارزقني ، والله هو المانع أيضا ، فما يطلب بحاله إلا الاسم الرزاق ، فما قال بالمعنى إلا يا رزاق ارزقني ، فمن أراد الإجابة من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر ، ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده وغيره ، ولا يسأل بالاسم من حيث دلالته على ذات المسمى ، ولكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه ، الذي لأجله جاء ، وتميز به عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تميز لفظ (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) أي يميلون في أسمائه إلى ما ليس بحسن ، وإن كان في المعنى من أسمائه ، لكن منع أن يطلق عليه لما ناط به عرفا أو شرعا