إلا في الصلاة بعد الجلسة الوسطى فإنه يقرأها ابتداء ، وقد وعد الله من استمع القرآن وأنصت بالرحمة ، فإن أفعال الترجي من الله حكمها حكم الواجب ، ومع هذا فإن الله أوقع الترجي مع صفة الاستماع والإنصات ، وما قطع بالرحمة ، فكيف حال من خاصم ورفع صوته وداخل التالي؟ وأرجو أن يكون الترجي الإلهي واجبا كما يراه العلماء ، فالأجر العظيم بالإصغاء إلى القارىء إذا قرأ القرآن ، أو بإصغاء الإنسان إلى نفسه إذا تلاه ، فإذا قرىء القرآن المبين فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ، فإنه ما جاء بالكلام إلا للإفهام ، فإذا خالج السامع القارىء في قراءته ، فقد شهد من الفهم ببراءته ، وأساء الأدب ، فأسخط الله فغضب ، يقول صلىاللهعليهوسلم : [أيكم خالجنيها وما لي أنازع القرآن] وأي برهان أعظم من هذا البرهان ، الرسول حاز الآداب ، وجاء بالكتاب وخاطب أولي الألباب ، وما خص أعداء من أحباب ، بل عم الخطاب ، فمنا من أصاب ، ومنا المصاب ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بالفهم ، فإنك إن خالجته فيها ، حرمت معانيها ، وإذا كنا نهينا وتحبط أعمالنا برفع أصواتنا على صوت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تكلم ، وهو المبلغ عن الله ، فغضّ أصواتنا عند ما نسمع تلاوة القرآن آكد.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢٠٦)
(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم الملائكة المقربون (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) يقول : يذلون ويخضعون له (وَيُسَبِّحُونَهُ) أي ينزهونه عن الصفات التي لا تليق به وهي التي تقربوا بها إليه من الذل والخضوع وصدقهم الله في هذه الآية في قولهم : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فأخبر الله عنهم بما أخبروه عن نفوسهم (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) وصفهم بالسجود له عزوجل مع هذه الأحوال المذكورة ، وهنا يسجد التالي للقرآن في هذه السجدة اقتداء بسجود الملأ الأعلى وبهديهم ، قال الله تعالى لما ذكر النبيين عليهمالسلام لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وذكر أنه تعالى آتاهم الكتاب والحكمة والنبوة قال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم بشر مثله ، فما ظنك بالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأي هدي