اعلم أن قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ) (وَلَوْ شاءَ اللهُ) يقتضي نفي العلم بكذا ، ونفي المشيئة عن الحق ، وما ورد الكلام إلا بنفي العلم بأمر ما والإرادة ، وما انتفى إلا التعلق الخاص بأمر يحدث ، فلا يتوجه النفي والإثبات إلا على حادث ، أي على ممكن ، سواء كان ذلك الحكم موصوفا بالوجود أو العدم ، فناب العلم هنا مناب التعلق حين نفيته بأداة لو (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) والوجود هو الخير ، فيتصفون بالوجود (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) إذ أوجدهم (لَتَوَلَّوْا) إلى ذواتهم (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لأن استعدادهم لا يعطي القبول ، فلا تقل فيمن لم يجب إنه سمع ، فتخالف الله فيما أخبر به عنهم ، وقد أخبر الله تعالى أن بهم صمما.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بما قلنا (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) فوحد الداعي بعد ذكر الاثنين ، فإن من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فإن الرسول داع بأمر الله ، فالله هو المجاب ، وما في القرآن دليل أدل على أن الإنسان الكامل مخلوق على الصورة الإلهية من هذه الآية ، لدخول اللام في قوله (وَلِلرَّسُولِ) وفي أمره تعالى لمن أيّه به من المؤمنين بالإجابة لدعوة الله تعالى ولدعوة الرسول ، فعلمنا أن الأمر واحد ، وما سمعنا متكلما إلا الرسول بالسماع الحسي ، وسمعنا كلام الحق بالسمع المعنوي ، فالله والرسول اسمان للمتكلم ، فإن الكلام لله كما قال الله ، والمتكلم المشهود عين لسان محمد صلىاللهعليهوسلم (لِما يُحْيِيكُمْ) فإن الله ورسوله ما يدعونا إلا لما يحيينا به ، والداعي في الحالتين إيانا هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإذا دعانا بالقرآن كان مبلغا وترجمانا ، وكان الدعاء دعاء الله ، فلتكن إجابتنا لله والاستماع للرسول ، وإذا دعانا بغير القرآن كان الدعاء دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فلتكن إجابتنا للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا فرق بين الدعاءين في إجابتنا وإن تميز كل دعاء عن الآخر بتميز الداعي ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في الحديث : [لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الخبر عني فيقول : اتل عليّ به قرآنا ، إنه والله لمثل القرآن أو أكثر] وقوله في الحديث : (أو أكثر)