وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩)
(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٢١)
قال الله تعالى ناهيا (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) أي فهمنا ، فأكذبهم الله في قولهم سمعنا ، فقال : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) فلو سمعوا استجابوا ، فإن الله أعز وأجل من أن يقاومه مخلوق (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي لا يفهمون ، فنفى الله عنهم الفهم عن الله ، فهو ذم ـ وجه آخر ـ حكم الله عليهم بعدم السماع مع سماعهم ، فمع كونهم سمعوا نفى عنهم السمع ، فإنهم سمعوا حقيقة وفهموا ، فإنه خاطبهم بلسانهم ، ثم قال تعالى : (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي حكمهم حكم من لم يسمع عندنا ، مع كونهم سمعوا ، وما قال تعالى بماذا يحكم فيهم؟ وإن كان غالب الأمر من قرائن الأحوال العقوبة ، ولكن الإمكان لا يرتفع في نفس الأمر ، لما يعرف من فضل الله وتجاوزه عن سيئات أمثال هؤلاء ، فإن كان حكمه حكم من لم يسمع ، فيكون الله قد تفضل عليه ، وإن كان حكمه حكم من علم فلم يعمل فعاقبه الله ، فيكون الله قد عدل فيه ، واعلم أنه قد دل الكتاب والسنة على أن السمع والبصر قسمان : عادي وحقيقي ، فالعادي سمع القلب بالأذن وإبصاره بالعين ، وهو عام في المؤمن والكافر ، والحقيقي بصر العين بالقلب وسمع الأذن به ، وقد نفاه الله تعالى عن الكافر في غير ما آية ، منها قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) وفي قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) فأثبت لهم السمع والبصر العاديين ونفى عنهم الحقيقي.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣)