وحجب ، وفي هذه الآية علم إضافة الأفعال ، هل تضاف إلى الله أو إلى العبد أو إلى الله وإلى العبد؟ فإن وجودها محقق ، ونسبتها غير محققة ، وهذا موضوع اختلف الناس فيه ، والخلاف لا يرتفع من العالم بقولي ، فمن الناس من نسب الأفعال إلى الخلق ، ومنهم من نسب الأفعال إلى الله ، ومنهم من نسب الفعل إلى الله بوجه وإلى العباد بوجه ، فعلق المحامد والحسن بما ينسب من الأفعال للحق ، وعلق المذام والقبح بما ينسب من الأفعال للعباد لحكم الاشتراك العقلي ، وكمال الوجود توقف على وجودهما ، قال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فنفى الرمي عمن أثبته له ، فأثبت بهذه الآية أعيان العالم ، والفعل كله إنما يظهر صدوره من الصورة ، وهو القائل (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) فكان الحق عين الصورة التي تشاهد الأعمال منها ، وهذا مقام الحيرة ، فصدّق الله الخواص في حيرتهم بقوله هذا لأخص خلقه علما ومعرفة ، فنفى عين ما أثبت فما أثبت؟ وما نفى؟ فأين العامة من هذا الخطاب ، فالعلم بالله حيرة ، والعلم بالخلق حيرة ، وقد حجر النظر في ذاته وأطلقه في خلقه ، فالهداة في النظر في خلقه لأنه الهادي وقد هدى ، والعمى في النظر في الحق فإنه قد حجر وجعله سبيل الردى ، وهذا خطاب خاطب به العقلاء ، فما زادهم إلا إيمانا بالحيرة وتسليما لحكمها ، ولذلك قال تعالى في هذه الآية : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) فجاء بالخبرة بقوله تعالى : (وَلِيُبْلِيَ) أي قلنا هذا اختبارا للمؤمنين في إيمانهم لنا في ذلك من تناقض الأمور ، الذي يزلزل إيمان من في إيمانه نقص عما يستحقه الإيمان من مرتبة الكمال ، فإن الله حيّر المؤمنين ، وهو ابتلاؤه بما ذكر من نفي الرمي وإثباته ، وجعله بلاء حسنا ، أي إن نفاه العبد عنه أصاب ، وإن أثبته له أصاب ، وما بقي إلا أي الإصابتين أولى بالعبد وإن كان كله حسنا؟ وهذا موضع الحيرة ، ولذلك سماه بلاء أي موضع اختبار ، فمن أصاب الحق وهو مراد الله أي الإصابتين أو أي الحكمين أراد ، حكم النفي أو حكم الإثبات كان أعظم عند الله من الذي لا يصيب ، لذلك قال : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
(ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً