لذاته ، والجهاد في العالم التفصيلي وسيلة وآلة ومطلوب لغيره ، والشيء الذي يكون مقصودا ومطلوبا لذاته ، أكبر وأعلى من شيء تكون هي في رتبة الوسيلة والآلة والمطلوبية لغيره. فالجهاد في سبيل الله يعمّ الجهادين الأصغر والأكبر ، والجهاد في الله حق جهاده يختص بالجهاد الأكبر ، وهو الجهاد مع النفس في منعها عن حظوظها بجميع المراتب والمقامات والأحوال والأخلاق والعلوم ، وفي صرفها عن استيفاء جميع حظوظها ولذاتها ومراداتها ، وفي قطع آمالها وأمانيها وقطع نظرها عن التطلع إلى شيء من الأجر في الأعمال القلبية والقالبية ، وفي سدّ باب رؤيتها شيئا منها مضافة إليها ، وقلع شاماتها باستراق الحظوظ الخفية مما منح القلب والروح والسرّ من مواهب التجليات والعلوم والمكاشفات والمشاهدات وغير ذلك. وأما سرّ استعمال صيغة الترجي عند حصول أسباب الفوز والنجاح بحصول المطلوب وهي التجلي تجلية القرب ، واستقبال حقيقة الحب ، في قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فهو الإشارة إلى أن الأسباب كلها معدات لا مؤاثرات ، والمؤثر إنما هو الحق تعالى بقدرته عند الأسباب ، فإن الفاعل لا يظهر فعله إلا بعد حصول تمام القابلية والاستعداد لقبول ظهور الفعل ، وحصول تمام القابلية والاستعداد لقبول ظهور فعل الحق من حيث قدرته أمر مخفي على العبد ، لاحتمال بقية شرط خفي من شرائط تمام السببية ، ويحصل تمام الاستعداد بصيغة الترجي عائدة إلى حصول تمام القابلية والاستعداد لقبول فعلي الفلاح والإنجاح وإعطاء المطلوب والمقصود ، فكأنه تعالى يقول : تسببوا وحصلوا استعداد قبول فعل تقريبي فيكم ، بالتقوى وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيلي ، لعلكم تصلون إلى تمام حصول الاستعداد والقابلية وتمام شرائطها ، ويترتب على ذلك فلا حكم وفوزكم بالقرب بظهور فعل تقريبي فيكم ، فكلما جاء في الكتاب العزيز من صيغ الترجي فراجع إلى هذا المعنى فاعلم ذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٧)
النار دار انتقال من حال إلى حال ، والحكم في عاقبتها للرحمة ، والنعمة ، وإزالة الكرب