كلهم مظاهر الاسم المضل ، ومظهرو أحكامه وآثاره. كما أن الأنبياء والرسل وأولو العزم منهم والمؤمنون بالله وبهم ، وجبريل من حيث أنه مبلغ الوحي وإظهار الشرع مظاهر الاسم الهادي ، ومظهرو أحكامه وآثاره. لذلك كان بين هذين الاسمين أعني الهادي والمضل مجازات ومغالبات ومقالبات في إظهار أحكامهما وآثارهما ، فكل واحد منهما يريد إظهار مقتضياته لتعلق الكمال المختص بكل واحد منهما بظهور تلك المقتضيات والأحكام والآثار المختصة به ، فلا جرم حيث ظهر أحكام اسم الهادي ، وغلب بظهور آثاره ومقتضياته من الإيمان والإسلام والتقوى وابتغاء الوسيلة من حيث مظاهره ، ومظهرو أحكامه وآثاره من المؤمنين والصالحين والأنبياء والرسل ومالكي سبيل الحق ، لا بد وأن يقوم اسم المضل من حيث مظاهره ومظهرو أحكامه وآثاره من شياطين الإنس والجن والكفار وأئمتهم ورؤسائهم في الدفع والمنع عن ظهور اسم الهادي ومقتضياته ، وعن ظهور غلبة سلطنته ، فتعين الجهاد الصغير والكبير ، مع الشيطان وأعوانه وأنصاره وحزبه من الكفار وأئمتهم ، ورفع شرهم وكسر شهوتهم ، وقمع النفس والهوى ، وأنصارهما من الشهوة والغضب ، وما يتبعهما من القوى في العالمين الكبير التفصيلي ، والصغير الإنساني ، فلهذا رتب تعالى ذكر الأمر بالجهاد على ذكر الأثر بالتقوى وابتغاء الوسيلة فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) وأما سر كون الجهاد مع النفس والشيطان وأعوانهما في العالم الصغير الإنساني جهادا أكبر ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، عند اشتغاله بالصلاة عند مرجعه من جهاد الكفار ، فلأن المطلب الغائي من إيجاد الخلق إنما هو معرفة الحق بجامع كمالاته ، كما قال : «فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» وهذا المطلب لا يتحقق تماما إلا بالجهاد في العالم الصغير الإنساني ، وغلبة الروح والقلب بالحضور والذكر والفكر والشهود والتوجه الصحيح الوحداني إلى الحق تعالى ، على النفس الأمارة والشيطان وأعوانهما وأنصارهما. وأن الجهاد في العالم الكبير التفصيلي وسيلة وواسطة إلى ذلك المطلوب ، فإن ذلك المطلوب لا يوصل إليه إلا بالعبادة الخالصة المخلصة لله عزوجل ، ولا يتمكن من أداء العبادة إلا بدفع الموانع الظاهرية ، وتلك الموانع هي قصد أعداء الدين ، ومخالفتهم وممانعتهم من إظهار شعائر الشرائع والإيمان والإسلام ومخاصمتهم ومقاتلتهم على ذلك. فكان جهاد النفس في العالم الإنساني مقصودا ومطلوبا