العالم كله طاهر ، فإن عرض له عارض إلهي يقال له نجاسة حكمنا بنجاسة ذلك المحل على الحد المقدر شرعا خاصة في عين تلك النسبة الخاصة ، فالنجاسة في الأشياء عوارض نسب وأعظم النجاسات الشرك بالله ، فالمشرك نجس العين ، فإذا آمن فهو طاهر العين ، أي عين الشرك وعين الإيمان ، وهذا يدل على أن النجاسة عوارض ونسب ، وهذه الآية نص في المسجد الحرام الذي بمكة بأن لا يقربه مشرك ، وأنه نجس ، فمن علل المنع بالنجاسة وجعل النجاسة لكفره ، وعلل المسجد لكونه مسجدا. منع الكفار كيفما كانوا من جميع المساجد ، ومن رأى أن ذلك خاص بالمسجد الحرام ولهذا خص بالذكر وأن ما عدا المشرك وإن كان كافرا ، لا يتنزل منزلته منع دخول المشرك المسجد الحرام وكل مسجد ، لقوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) وجوز الدخول فيه لمن ليس بمشرك ، ومن أخذ بالظاهر ولم يعلل منع المشرك خاصة من المسجد الحرام خاصة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم حبس في المسجد في المدينة ثمامة بن أثال حين أسر وهو مشرك وهو الأوجه ، ولم يمنع غير المشرك من المسجد الحرام ومن المساجد ، ومنع المشرك من سائر المساجد أولى إلا أن يقترن بذلك أمر أو حالة فلا بأس.
(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩)
لم تضرب الجزية على المشرك ، وفرق بينه وبين الكفار من أهل الكتب المنزلة ، فإن المشرك قادح في الحق وفي الكون بشركه ، فلم يكن له مستند يعصمه من القتل ، لأنه قدح في التوحيد وفي الرسل ، والكفار من أهل الكتاب لم يقدحوا في التوحيد ولا في الكون ، أعني الرسل ، لكن قدحوا في رسول معين لهوى ، أو شبهة قائمة بنفوسهم ، أداهم ما قام بهم إلى جحود الحق ظلما وعلوا مع اليقين به ، وإما لشبهة قامت بهم لم يثبت صدق صاحب الدعوى عندهم ، فلهذا كان لهم في الجملة مستند صحيح عندهم لا في نفس الأمر ،